الموت الحقيقة العظمى في هذه الحياة الدنيا وهو النهاية الحتمية لكل حي ..هو معنا دائما يترصدنا يتخطفنا يذيقنا كأس الحرمان ويجرعنا مرارات الفراق ويحرمنا متعة ولذة لقاء الاحباب .. انه حقا هازم اللذات ومفرق الجماعات..ولا حول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم..
فجعنا الموت في صديقي وحبيبي وأخي محمد عبدالجليل نائب رئيس التحرير ورئيس قسم التحقيقات الصحفية .. منذ اليوم الأول الذي عرفته فيه مع مطلع الألفية الثانية كان نموذجا فريدا ومتميزا يتمتع بصفات خاصة جعلته فوق أقرانه من الصحفيين الذين التحقوا بقسم التحقيقات سواء تحت التدريب أو المشتغلين.. استشرفت الحالة الخاصة التى يمثلها منذ اللحظة الأولى عندما أرسله رئيس التحرير الى القسم، وكنت المسئول عن التحقيقات ..جمع إلى جانب مهارته الصحفية مهارات أخرى أكثر تميزا جعلت منه نموذجا حيا في مهنيته وخلقه وعلاقته الاجتماعية بزملائه وبالناس عموما.. وكان تدينه يزين خطوات عمله كما في حياته الخاصة ..
لم يكن تدين الشيخ عبدالجليل كما كنت اناديه دائما عقبة أو مشكلة كان سمحا متسامحا مع الجميع حتى مع غير المتدينين وغير المسلمين وهو ما أسقط حجج والاعيب من حاولوا اتهامه بالتشدد وفشلوا في أن يتخذوا من لحيته ذريعة أو متكئا للنيل منه أو أبعاده..
كان مع الله فكان الله معه حتى ابتلاه بلاء شديدا .. فاستعان عليه بقوة إيمانه وصدق سريرته ونقاء روحه وصفاء سجيته .. وكان يعلن بصراحة ووضوح أنه راض بقدر الله وقضائه حتى استرد الله وديعته صابرا محتسبا..
لذلك لم يكن غريبا أن تجد الشيخ عبد الجليل يسجل لنفسه متلازمة شهيرة يرددها في كل حركاته قائما وقاعدا .. يعلن بكل عفوية مع كل تنهيدة يقول بصدق : حبيبي يا الله احبك يا رسول الله..لم يكن متكلفا أو متصنعا أو مدعيا.. هذه طبيعة وفطرة فطره الله عليها..
هذه الروح النورانية كانت كالضياء المبهر يجذب إليه الفراشات حتى في أحلك الظروف واشدها قسوة ..
كانت النفوس تهفو إليه دائما واستطاع أن يجعل من مكتبه القريب من مكتبي قبلة لكل الزملاء من كل الأقسام.. وجعله أشبه بدوار العمدة أو مندرة العائلة فقد كان جوادا كريما سخيا غارقا في قاعدة ويطعمون الطعام على حبه.. واذكر اني عندما عاتبته على الإفراط في كرمه عندما رأيت من يستغلون وياحذون بغير وجه حق ويلومونه لأنهم لم يلحقوا بمن قبلهم أو خلفهم فقال لي وماذا أفعل أنا أحب أن نجتمع معا وناكل معا لا أشبع الا بهذه الطريقة.. هذا نوع من الكرم الخالص المخلص النابع من نفس طيبة خيرة تحب الخير للجميع..
الصدق والإخلاص والحب الشفيف حفر للشيخ عبدالجليل في قلبي مكانة خاصة وكان هو كذلك.. وهو ما فتح كل أبواب الود والالفة والانس بيننا.. كثيرا ما حكا رحمة الله تعالى عليه وشكا وبكى وابكى .. حتى في اشد الأمور خصوصية وكان سمحا متسامحا محبا مخلصا .. حتى في أوقات الجدال والنقاشات الساخنة سريعا ما كان يعود ويقر ويعترف من قريب عندما يتبين أنه الحق..
كثيرا ما كان يحدث هذا عندما يحاول بعض المتفذلكة أو المتحزلقة استفزازه أو التناوش معه مم قريب لأغراض في نفس يعقوب أظنه لم يقضها..
النموذج الاخلاقي الفريد الذي كان يمثله عبد الجليل نموذج نادر وهو المطلوب والذي نفتقده في أيامنا هذه في الزمان الصعب الذي عز فيه كل شيء ونضبت فيه كل المعاني الجميلة وتكالب الجميع إلا من رحم ربي على حب الدنيا وسادت الأنانية البغيضة وندرت قيم الحب والاخلاص وتراجع الوفاء واحضرت الأنفس الشح وضاقت على الناس الأرض بما رحبت..
لعل صدمة رحيل شيخنا وزميلنا عبد الجليل توقظ النفوس وتضيء مشاعل كادت أن تنطفئ وتحي آمالا كادت أن تزوى بعيدا وتنفض غبارا تراكم النفوس وتزيح الران من فوق القلوب ..
ستبقى ذكرى عبد الجليل حية حاضرة وضاءة مادامت القلوب تنبض والنفوس تتوق إلى كل خير وجميل في هذه الحياة..
رحم الله صديقنا واخانا عبدالجليل واسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين و الشهداء وحسن اولئك رفيقا..
و خالص العزاء لزوجته وأولاده وإخوته وكل أفراد أسرته..