تابعت أمس أول حلقة من مسلسل (في ساعته وتاريخه) الذي أخرجه المخرج عمرو سلامة، عن قصة القاضي الأديب بهاء المري، والتي أعادت للأضواء مرة أخرى صورة واسم (نيرة أشرف) طالبة المنصورة التي ذبحت غدرًا على عتبات الجامعة.
كان الكثيرون في مصر ينتظرون عرض هذه الحلقة بشوق رهيب نتيجة ما شهده المسلسل من ضجة هائلة أثارتها أسرة نيرة أشرف وهي تتوعد المسلسل والممثلة ومن نفذه بالمقاضاة والمساءلة.
وتأهب الجميع وسنوا أسنانهم وأخذ خيالهم يرسم لهم أوهامًا ليس لها من الواقع نصيب حينما خيل إليهم أنه يلوك سيرة فتاتهم و يشوه صورتها، أو يجسدها للناس فتاة عربيدة ماكرة توقع بالشباب وتعشق الانحراف.
ولكن وما أن أذيعت الحلقة حتى هوت ثورة كل هؤلاء، فقد فاجأنا المسلسل ببعد اجتماعي تربوي قيمي خلقي على مستوى غير مسبوق.
كان الجميع وبمختلف الشرائح يتلهفون بشغف لرؤية قصة حقيقية يتذكرونها جيدا وهي تتجسد ممثلة على الشاشة.
كان المسلسل بمثابة تبرئة لسمعة هذه الفتاة التي لاكتها الألسنة كثيرا وخاضت في سلوكها، بل كانت ردا على كثير من العقول التي تعاطفت مع القاتل المجرم المهووس، الذي ذَبح فتاة مسكينة في عمر الزهور.
لقد وجه المسلسل رسالة إلى المجتمع أو أن مؤلف القصة أراد أن يُعلم بها المجتمع ألا يصدق كل يقال، وألا تكون الشائعة والظنون هما المقياس الذي يحكم ويقيس به كل شيء، ويكون العدوان الجائر على الحقيقة.
كانت (نيرة أشرف) والتي ظهرت باسم نادية، قد ظهرت كأي فتاة حالمة تطمح بطموحات واعدة، لكت التساهل في بعض السلوكيات والمعاملة غير المدروسة، قد جرتها إلى مرتع وخيم، لا ذنب لها فيه، ولكن هكذا كان قدرها، بل كان هكذا جمالها الذي جر عليها هذا القدر.
كل أحداث المسلسل تدور في -الأتوبيس-حوارات متنوعة بين نادية وزميلاتها، لكن كل حوار كان يهمس في أذن كل فتاة تشاهد وتسمع، بما يجب عليها ان تكون في سلوكها وتعاملاتها وصداقاتها في هذا الزمن، حتى لا تقع فيما وقعت فيه هذه المسكينة، وحتى لا يكون مصيرها مؤلما كما حدث للمغدور بها.
المسلسل عرض لأفكار وعقول مختلفة، فبينما نادية المتحررة نوعا ما والطامحة إلى مستقبل وردي، كانت هناك صديقتها المحجبة الملتزمة التي عبرت أمام صويحباتها أن الجوانتي هو من سيجلب العريس، وعلى اتجاه آخر ترسل الأحداث إنذارا خطيرًا لكل فتاة تقترب من الفتيان، لتنشأ علاقة مرفوضة، ينتج عنها صورًا ومقاطع يبتزها بها شاب لا ضمير ولا قيم ولا دين لديه، ليهدم مستقبلها ويلوث سمعتها.
وأمام هذا التردي وبدلا من استنكار العقلاء رأينا من الناس من نحى عقله جانبا وسعى خلف عاطفة بلهاء كاذبة، وظهرت موجة عارمة مع هذا المجرم السفاح، لا تستند إلا إلى فهم مبتور ووعي معدوم، واستهتار بالقانون وبالروح التي عظمها الله سبحانه.
مازلت أذكر من ضمن هذا الهراء صورة مصري يعمل في المملكة العربية السعودية، ساقه فهمه وظنه تعاطفا مع قاتل مجرم، أن يؤدي عنه مناسك العمرة، وأرسل لنا لقطة مكتوب فيها: عمرة عن محمد عادل.. ولله في خلقه شؤون.!
المستشار بهاء المري هذا الرجل الذي أنصف هذه الفتاة التي خاض الجميع في عرضها وسمعتها، لقد كان أكثر الناس اطلاعا على الحقيقة، وقد جاء حكمة الجسور متحديا به الجهل والشائعات والأهواء والانحياز الأعمى لقاتل مجرم مهووس. هذا الرجل لم يكتف بحكمه على الجاني فقط لينال جزاءه، ولكنه سعى إلى هذه القصة التي تجسدت على الشاشة ليبرئ الفتاة، ويجبر بخاطر اهلها، ويبيض صفحتهم، ويؤكد أنها مظلومة، وأن كثيرًا من الناس قد ظلموها بتكهناتهم وظنونهم وخيالاتهم المريضة، التي لم تكن من الواقع في شيء.
وهكذا تكون الدراما البناءة وهي ترسل هذه الرسائل التربوية لكل فتاة ولكل شاب، بل للمجتمع كله حينما صارحته بدائه العضال الذي استحكمت فيه الشائعات، لتطعن الحقيقة وتلوث سمعة الأبرياء.
لقد كانت قصة نيرة أشرف عبرة تعلم منها الجميع.