ads
الأحد 08 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

وقفت بنا حادثة ابن الشيخ محمد حسان التي وقعت مؤخرًا على مشكلة اجتماعية ونفسية وعقلية عجيبة، لم يكن لها من اهتمام سلفًا كالذي تلقاه منا اليوم.

بل في تاريخ العرف الإسلامي لم تكن هذه الظاهرة حجر عثرة في طريق الدعاة إلى الله أو غاية المصلحين الكبار التي يريدون تحقيقها في المجتمع وقيامه على الاستقامة والفضيلة.

وأنا هنا أتخيل نفسي هل من الممكن حينما أقف داعيا إلى الله تعالى أو آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، أن أجد من يقوم لي ويقول بكل ثقة ويقين: أجلس لا يحق لك نصحنا وتوجيهنا، وولدك فاسق أو أخوك فاجر، اذهب أولا فأقمهما على الحق قبل أن تدعونا إليه؟!.

بل وكأني بهذا المجتمع العجيب وعقلياته الغريبة ووعيه المغيب، تعارف الناس فيه على تحريم الدعوة والقيام بواجب الإصلاح على كل من ساء قريبه، أو ضل نسيبه، أو فسد من يحمل اسم قبيلته؟!

نعم هكذا يفعلون، فمؤخرا جلجلت الدنيا ودوت الشماتة بالشيخ محمد حسان وخيل للبعض أن مستقبل الدعوة السلفية قد انتهى، وأن تاريخ الشيخ الحافل بالدعوة قد تحطم، وأن المسار السلفي قد تمزقت صفحته من التاريخ ولن ينطق بعد الحادثة النكراء باسم الإسلام مرة أخرى.. نعم وأنا لا أبالغ بهذه الأوصاف فهناك من مهاويس العلمانية من خيل له خياله المريض هذه الأوهام.

وإلى كل المنكرين بكل طبقاتهم وأطيافهم أقول إن هذه الحادثة وما تبعها من تلك التهيؤات ذكرتنا بما أصاب العلماء والدعاة قديما في أبنائهم، والذي كان بعضهم على أعلم مراتب الفسق والفجور التي لا تليق بنسبته إلى أبيه ولا تنسجم مع تاريخه العريق في الدعوة إلى الله.

فهذا هو الإمام ابن الجوزي وهل تعلم يا ترى من هو ابن الجوزي وماذا يكون ابن الجوزي؟ إنه هو من قيل عنه: " أشهر واعظ في تاريخ الإسلام، وكم أسلم بسببه كافر، واهتدى على يديه ضال! 

يقول سِبْطُه - ابن بنته - أبو المظفر: سمعت جدي على المنبر يقول: "بأصبعيَّ هاتين كتبت ألْفَيْ مجلدة، وتاب على يدِي مائةُ ألف، وأسلم على يدِي عشرون ألفا!".

ويقول عنه الحافظ الذهبي: "كان رأسا في التذكير بلا مدافعة، يقول النظم الرائق، والنثر الفائق بديها، ويُسهِب، ويُعجِب، ويُطرِب، ويُطنِب، لم يأت قبله ولا بعده مثلُه، فهو حامل لواء الوعظ، والقيم بفنونه!".

وبالرغم من هذا فقد ابتلي بولده علي، حتى كان يقوم بالليل يدعو عليه وقت السحر، ومات فاسدا لم يصلح"!

يقول ابن النجار عنه في [تاريخه]: "وَعَظ في صباه، وكان كثير الميل إلى اللهو والخلاعة، فترك الوعظ، واشتغل بما لا يجوز، وصاحَب المفسدين! سمعت أباه يقول: "إني لأدعو عليه، كل ليلة، وقت السحر!". 

ولم يزل على طريقته إلى آخر عمره"

هل تتخيل أو تتأمل أن يقوم عالم وداعية بالدعوة على ولده لشدة فساده وتمنيه أن يقضي الله عليه؟

وهذا يعني أن الولد كان قمة في الفساد والضلال.

ولكن ذلك لا يهمنا أبدا فالمهم في شاهدنا أن المجتمع وقتها لم يجعل من فساد الإبن حجة يخرس بها ابن الجوزي ويمنعه من الحديث عن الإسلام وهداية الناس.

لم يقم له أحد ليقول له: اجلس ولا تعظ الناس قبل أن تعظ ولدك.

بل لم نسمع في هذا الشأن أن أحدا عاب ابن الجوزي ونهره على سوء تربيته لولده، وإلقاء العبء عليه واتهامه بأنه شغل عن تربيته بالدعوة ووعظ الناس وكان الأولى أن يتفرغ له ليضمن استقامته.

لم يحدث هذا أبدًا لأن المجتمع كان مجتمعًا واعيًا يجيد الفصل بين الأمور والأشخاص ويؤمن أن ذنبك لا يتحمله غيرك وذنب غيرك لا يتحمله شخصك.. لقد كان مجتمعا عادلا.

أما مجتمعنا اليوم فقد تغير كثيرا عما مضى وسبق، وقد كنا نسمع في المثل العامي يخلق من ظهر العالم فاسد ومن ظهر الفاسد عالم.

لكن بعض الناس صاروا لا يؤمنون بشيء من الحق حتى يؤمنون بمنطوق مثل.

سبحان الله وكأن هذا المثل يتبعه القرآن الكريم بشاهد حق في قصة نوح عليه السلام وابنه، كان الأب نبيا وكان الولد كافرا بأبيه.

ومما قرأت مؤخرا أن الإمام الحافظ ابن حجر ابتلي بولده الوحيد محمد، من بين إخوته البنات، فلم يكن تقيا، ولم يكن محمود السيرة.

ومن هنا نقول لمن شمت بالشيخ حسان أو اعتقد أن التهمة بولده ستخرسه عن الدعوة والنصح: إن ما عشتم فيه وتخيلتموه من أوهام إنما هي حالة نفسيه تعكس ما تكنه دواخلكم من أحقاد وشرور وجهالة متقعة.

 

تم نسخ الرابط