يبدو أن ما جرى في سوريا مفاجئا للكثيرين من شدة تسارع الأحداث، وهذه السيطرة السريعة دون أدنى مواجهة تذكر، فضلا عن سحب الغطاءات الإقليمية والدولية المتمثلة في كل من روسيا وإيران، فضلاً عن انهيار قدرات حزب الله، وعدم دفع أي منهم بدعم فضلاً عن سحبهم لعناصرهم، بعد تلقي رسائل طمأنة من قبل الجولاني ورجاله، فضلا عن ذلك التحول الكبير في صورة شخصية الجولاني، الذي ظهر رسمياً كقائد سياسي مدرب يملك رؤية تصالحية متسامحة مع الجميع، ليمحو الخلفية الدموية والإرهابية التي ترسخت في الأذهان طويلاً مستعينا بتواصل أمريكي واضح لغسل سمعته عبر لقاء حصري مع السي إن إن.
كل ذلك مجتمعا مع فرار بشار الأسد، بالتزامن مع المشاهد الصعبة لفتح السجون وإخراج بعض المعتقلين منذ عام 1982 أي منذ نحو 42 عاماً ، فضلا عن مشاهد النساء والأطفال في السجون، وإسقاط تماثيل في الشوارع على طريقة مشاهد سقوط صدام حسين في العراق.
نعم سقط نظام الأسد وسقط معه ثالث مرتكزات محور المقاومة، وسقط ما دبرت له طهران في كامل المنطقة، لتفتح صفحة جديدة من الأمل رغم كثرة المخاوف، لكن هذا السقوط وقف وراءه حقيقة انتهازية أردوغان ونتنياهو، إذ يبدو الوالي العثماني مرشدا عاما له الكلمة والولاية على أزرعه من جماعات المعارضة التي سيطرت على مقاليد الحكم في سوريا، وفي الوقت نفسه تغول نتنياهو في عمق الأراضي السورية بما يزيد على 14 كيلو متر، كما وجه أكثر من 100 ضربة بالطيران العسكري الإسرائيلي لمواقع عسكرية ولمراكز بحثية سورية، كما أمر بأوامر إخلاء في أكثر من منطقة متاخمة للجولان معتبرا أن اتفاق فك الاشتباك مع الجيش السوري سقط بانسحاب قوات الجيش السوري من نقاط الارتكاز، ومتوعدا بالبدء في عمليات عسكرية في سوريا، عمليات حجتها واضحة أنه يوجه ضربات استباقية لجماعات مسلحة خشية أن تتجهز لمواجهته .
نصائح مصرية
مصر من جانبها قدمت نصائح بصوت العقل حيث أصدرت بيانا رسميا من وزارة الخارجية أكدت فيه على نقاط جوهرية منها ضرورة دعم سيادة سوريا ووحدة وتكامل أراضيها، ودعوة الأطراف السورية بكافة توجهاتها إلى صون مقدرات الدولة، وتغليب المصلحة العليا للبلاد من خلال توحيد الأهداف والأولويات، وبدء عملية سياسية متكاملة وشاملة في سوريا تؤسس لمرحلة جديدة من التوافق والسلام الداخلي تفضي إلى استعادة سوريا وضعها الإقليمي والدولي، و العمل على إنهاء معاناة الشعب السوري، و دعم العودة الآمنة للاجئين السوريين.
البيان المصري لم يعبر فقط عن موقف مصر مما يجري في سوريا فحسب بل تضمن نصائح جوهرية بما يجب أن تكون له الأولوية في هذه المرحلة الخطيرة والمهمة من مرحلة تاريخية جديدة في سوريا التي كانت يوماً جزءًا من الجمهورية العربية المتحدة مع مصر.
إن ردود فعل الدول تجاه سوريا يفضح أدوارها ونواياها فالبيت الأبيض أعلن أن بايدن وأعضاء فريقه يتابعون عن كثب الأحداث غير العادية في سوريا وهم على اتصال دائم مع الشركاء الإقليميين، وهنا تدير واشنطن المعركة من وراء ستار مع إسرائيل وتركيا، فيما أبدى ترامب شماتة في رحيل الأسد، وتخلي بوتن عنه، ومشيرا لان روسيا وإيران في حالة ضعف الآن، واعتبر ذلك انتصارا لإسرائيل.
ويبقى للسوريين القرار إما توافق واستقرار ونجاة وحفاظ على المؤسسات الوطنية، أو طمع واختلاف وابتزاز من أردوغان وطمع نتنياهو الحاضر والمتربص.