معني شَائِعَةٍ : خَبَرٌ لاَ أَسَاسَ لَهُ مِنَ الصِّحَّةِ ذَائِعٌ بَيْنَ النَّاسِ.
و إدارة الحروب النفسية تقوم على صناعة الشائعات وتصديرها إلى المجتمعات بهدف إضعافها أو خلق صراعات أو تحقيق بعض الأهداف كتفكيك الدول وضرب استقرارها.
والشائعات ليست وليدة اليوم، بل هي قديمة قدم الإنسان نفسه، ونظرا لتطور شبكات التواصل الاجتماعي في العصر الحديث أصبحت سهلة الانتشار مقارنة بالماضي.
و ظاهرة نشر الشائعات والترويج لها واختلاق المعلومات الكاذبة والأخبار الزائفة وتناقل الأنباء المغلوطة والأقاويل الآثمة والقيام ببثها والدندنة حولها لتحقيق أهداف خبيثة أصبحت
من الظواهر السيئة التي راجت وانتشرت في مجتمعنا وصارت كابوساً مقلقاً يهدد قيمنا وحياتنا، وباتت مرضاً عضالاً يقطّع أوصالنا ويلوث أخلاقنا ويزيد من نشر الأدواء والآفات فيما بيننا.
ولخطرها الداهم حذرنا الله- تبارك وتعالى- من هذا الداء الخبيث والمرض العضال ونهانا عنه أشد النهي وحذر منه في كثير من الآيات وما ذلك إلا لشناعة الشائعة وقبحها وكثرة أخطارها وشدة أضرارها على الفرد والمجتمع وعلى المستوى العام والخاص.
ويكفيك أيها العاقل أَنْ تعرف أنَّ الشائعات إحدي أدوات الحروب بأجيالها المختلفة كالرابع
والخامس لتفكيك الدول وتمزيق وحدتها وتشريد شعوبها.
يقول الله سبحانه وتعالى ﴿ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور ١٥: ١٦].
حين يغيب التثبُّت يتلقَّى لسانٌ عن لسان بلا تروٍّ، حتى لكأن القولَ لا يمرُّ على الآذان، ولا تتملَّاه الأذهان، ولا تتدبَّره القلوب ،فينبغى على المرءألا يقولَ بلسانه إلا ما يعلمه ويتحقَّقه، فلا يتكلَّم بالباطل، ولا يقول ما لا يدري به، وفي هذا زجرٌ بليغ عن التهاون في إشاعة الباطل.
وإذا كان الكلامُ في أعراض الناس خطيرًا، فإنه في عِرض بيت النبوَّة الطاهر أعظمُ خطرًا، ولا يصدر إلا عن غافلٍ أو منافق.
أى : وتقولون بأفواهكم قولا تلوكه الأفواه ، دون أن يكون معه بقية من علم أو بينة أو دليل .
ففى هاتين الجملتين زجر شديد لأولئك الذين خاضوا فى حديث الإفك ، بدون تدبر أو تعقل ، حتى لكأنهم - وقد أفلت منهم الزمام ، واستزلهم الشيطان - ينطقون بما ينطقون به بأفواههم لا بوعيهم،وبألسنتهم لا بعقولهم،ولا بقلوبهم ، وإنما هم يتفوهون بكلمات لا علم لهم بحقيقتها،ولا دليل معهم على صدقها .
وهذا كله يتنافى مع ما يقتضيه الإيمان الصحيح من تثبت ومن حسن ظن بالمؤمنين .
ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما هو أشد فى الزجر والتهديد فقال : { وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ } .
أى : وتحسبون أن ما خضتم فيه من كذب على الصديقة بنت الصديق شيئا هينا ، والحال أن ما فعلتموه ليس كذلك ، بل هو عند الله - تعالى - وفى حكمه شىء عظيم ، تضج لهوله الأرض والسماء لأن ما خضتم فيه يسىء إلى النبى -صلى الله عليه وسلم - ويسىء إلى أهل بيته ، ويسىء إلى صحابى جليل هو صفوان ، ويسىء إلى بيت الصديق - رضى الله عنه - بل ويسىء إلى الجماعة الإسلامية كلها .
إن بعض الناس وللأسف مبتلون بهذا المرض الخبيث ومحبون جداً للترويج للشائعات وعندهم ميل واحتراف في خلق تلك الأراجيف وجلبها، وحب شديد لتناقلها وترديدها وبثها للفتنة والفرقة، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنَّهَا تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكَ لَكُمْ: أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ ".
إن الذي ينشر الشائعة لا يرقب في مؤمن أو وطن إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وكذلك ناقلها ومروجها ، وهؤلاء هم الذين قال الله عنهم ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة: ٤٧] وقال: ﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴾ [الأحزاب ٦٠: ٦١].
إن المسلم العاقل يجب عليه أن يتثبت من الخبر إذا سمعه ويتأكد من صحته قبل نشره، ويوزن الكلام بميزان العقل الصحيح السليم قبل أن يقوله ويذيعه لا أن يسارع في نشر الشائعات وتلفيق الأراجيف ؛ فإن الله سبحانه وتعالى يقول ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: ٦]، ويقول ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: ١٨].
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- " كفى بالمرء كذبًا أو إثماً أن يحدّث بكل ما سَمِع".
كم من شائعة هدمت أسرا وخربت بيوتا وفرقت صداقات ،وقطعت علاقات، وتسببت في طلاق ومشكلات، وبددت طاقات، وفككت مجتمعات وأشعلت حروبا وويلات .
وصدق الله- تبارك وتعالى- إذ يقول ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: ١٩١] ويقول في آية أخرى ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: ٢١٧].
أكبر من القتل لأن القتل يقع على نفس واحدة ويهدر نفساً معصومة، أما الفتنة أو الشائعة فإنها تهدم مجتمعاً بأكمله وتقضي على كل الفضائل فيه.
إن الشائعة بنت الجريمة وأشد من القتل، وخطرها لا يقل خطراً عن خطر المخدرات والمسكرات والآفات وإذا كان هناك من يسعى إلى خلط الأوراق وتدمير البلاد بالتفجيرات واستهداف التجمعات وتفخيخ الأماكن العامة والمساجد والطرقات فإن هناك -أيضاً- من ينحر المسلمين بنشر الشائعات ويوهن عزائمهم بتلفيق الأكاذيب .
ولاخير في مجتمع يكثر فيه المرجفون الذين هم للكذب محبون، وللشائعات مروجون ، وللتهم الباطلة ناشرون ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: ١٩].
نسأل الله تعالى أن يطهر ألسنتا من الكذب وأعيننا من الخيانة وقلوبنا من النفاق.
« اللهم إني أستغفرك لكل ذنب يعقب الحسرة، ويورث الندامة ويحبس الرزق ويرد الدعاء، اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت منه ثم عدت إليه، وأستغفرك من النعم التي أنعمت بها علي فاستعنت بها على معاصيك، وأستغفرك من الذنوب التي لايطلع عليها أحد سواك ولا ينجيني منها أحد غيرك، ولا يسعها إلا حلمك وكرمك ولا ينجيني منها إلا عفوك»... آمين