ads
الجمعة 10 يناير 2025
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

منذ عقود والغرب يحلل بشكل نموذجي صعود منحنى العنف في العالم بصفة عامة وفي منطقة الشرق الأوسط بصفة خاصة، ولا تترك مراكزه البحثية شاردة ولا واردة إلا وتعرضت لها، وكان للتنظيمات الجهادية نصيب الأسد من دراسات وتحليلات تلك المراكز التي طالت عديد من الشخصيات المحسوبة على تلك التنظيمات. وانطلاقًا من هذا الأمر ذكرنا في المقال الأول من هذه السلسلة أننا سنتطرق إلى دراسة شخصية "أبو محمد الجولاني/ أحمد الشرع" بموضوعية وتأني سعيًا إلى إماطة اللثام عن مراحل تحولاته الفكرية.

 وقد ارتأيت في هذا المقال ضرورة لأن أعرج على حياة "الجولاني" الأسرية والشخصية قبل أن أتناول انضمامه إلى القاعدة ثم داعش حتى أوضح الصورة كاملة أمام القارئ. 

اسمه "أحمد حسين الشرع"، سوري وُلد في العاصمة السعودية "الرياض" في عام 1982م، حيث كان يعمل والده هناك. والده هو "حسين الشرع" سوري من قرية "جيبين" التابعة لمدينة "فيق" التابعة لمدينة "الزاوية" التابعة لمحافظة "القنيطرة" في "الجولان" السوري المحتل. وعائلة "الشرع" هي إحدى العائلات الإقطاعية الكبيرة في "الجولان"، وكان لها دور وحضور سياسي أيام العثمانيين وفي أثناء مقاومة الاحتلال الفرنسي.   

كان السيد "حسين الشرع" رجلًا قوميًا عروبيًا معارضًا لنظام البعث السوري، ومحبًا لشخصية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ومبادئه القومية. اعتقل سياسيًا عدة مرات في "سوريا"، ومن ثم غادر إلى "الأردن" ثم إلى "العراق" ودرس بها وحصل على درجة الدكتوراه في السياسة والاقتصاد جامعة بغداد.

 ثم عاد إلى "سوريا" واعتقل في عصر "حافظ الأسد" بسبب معارضته للنظام.

 وعمل فترة في وزارة النفط، وعمل عضوًا في مجلس محافظة "القنطرة"، وترشح للبرلمان لكنه لم يفز بسبب معارضته للبعث. 

 ثم سافر إلى السعودية في عام 1980، وهناك ألف عدة كتب في تخصصه في مجال النفط. 

كان "حسين الشرع" رجلًا مهتمًا بالقضية الفلسطينية، وكان مثقفًا كتب عديدًا من المقالات السياسية ونشرها في الصحف والمجلات المختلفة في السعودية. كما ألف كتابًا بعنوان "قراءة في قيامة سوريا"، وضح فيه نظرته المدنية إلى مستقبل بلاده، وضرورة قيام حكم ديمقراطي في سوريا يعترف بالتعددية الثقافية لشعبها ويرسخ لقيمة المواطنة التي تساوي بين جميع المواطنين دون تفرقة قائمة على الدين أو العرق أو المذهب.

 وهي كما نرى صورة مختلفة تمامًا لشكل الدولة التي كان يريدها ابنه "أحمد/ الجولاني" قبل ديسمبر 2024م. 

عاد "أحمد الشرع" من السعودية مع أسرته في عام 1995، وكان عمره سبع سنوات. 

أقامت الأسرة في حي "المزة" في العاصمة السورية "دمشق" في منطقة تسمى منطقة "الفيلات"، كان يسكنها الأغنياء والطبقة الأرستقراطية. 

عمل والده في البداية في مجلس الوزراء، ثم استقال منه وبدأ مشروعًا اقتصاديًا خاصًا عبارة عن مكتب للعقارات وسوبر ماركت صغير. 

وظل مهتمًا بالعمل السياسي وكان مداومًا على حضور منتدى الحوار الوطني الذي أسسه الناشط السوري "رياض سيف"، والذي كان يهتم بقضية الحرية.

 كما كان أحد الموقعين على إعلان دمشق للتغيير الوطني والديمقراطي الذي وقعته مجموعة من الأحزاب الاشتراكية والحركات العمالية في سوريا. 

فهذا هو الوسط الذي نشأ فيه "أحمد الشرع" وهو وسط سياسي ثقافي وأرستقراطي، ومن ثم لا نستطيع القول إن سبب تحوله الفكري كان الفقر أو الجهل. ولكن إن أمعنا النظر إلى الوضع الاجتماعي والجانب النفسي لـ "الجولاني/الشرع" ربما نجد الجواب. فهو ينتسب إلى أسرة من الجولان، قدمت إلى "دمشق" عقب الاحتلال الإسرائيلي، وكان السوريون يطلقون على هذه الأسر كلمة "نازحين"، وهذا الوصف يحمل في طياته معنى الدونية ويثير نوعًا من التمرد داخل نفوس من يوصفون به، ومن ثم يمقته أهل الجولان الذين يسكنون المدن السورية وريفها، وقد عبر عن ذلك بعض الأدباء السوريين في مؤلفاتهم.

 وكان "الجولاني/ الشرع" طالبًا عُرف بالاجتهاد والتفوق الدراسي، وكان يرفض وصف "نازح" وفقًا لبعض المحللين السوريين. ومن ثم فإن شعوره بالتفوق الذاتي والكاريزمي عن رفقائه والتدني الاجتماعي بسبب وصف "نازح" قد خلق لديه نوعًا من التمرد. 

السبب الثاني في تحوله الفكري هو سبب سياسي، إذ تعلم من والده الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وتأثر بانتفاضة 2000م التي كانت بداية اهتمامه بالشأن العربي العام. واختلفت نظرة "الشرع" الابن إلى القضية الفلسطينية عن نظرة "الشرع" الأب، إذ كان ينظر إليها الأول من منظور ديني وينظر إليها الثاني من منظور قومي عربي، وهذا كان أحد أهم الاختلافات الفكرية بينهما. كما تأثر كثيرًا بأحداث 11 سبتمبر 2001، ويقول بعض المحللين السوريين أنه تأثر بشخصية "أسامة بن لادن" تأثرًا هائلًا، وكان يحرص على سماع أخباره ويتابع لقاءته، ووصل به الحال أنه تقمص شخصيته وأخذ يقلده في الملبس وفي طريقة الحديث. كما تأثر "الجولاني/ الشرع" بالتهديدات الأمريكية بغزو العراق في عام 2003، وكان يريد أن يكون له دور في هذا الأمر، وكان دائم البحث عن طريقة للسفر إلى العراق. 

في تلك الفترة كان "أحمد الشرع" يتردد على أحد المساجد الموجودة في حي "المزة"، وفيها تعرف على شيخ وهابي رفض "الجولاني" في أحاديثه أن يذكر اسمه، ولكن يُقال إن اسمه "ليث محمد عصام العباس"، كان يتناقش معه في تفسير القرآن الكريم، وعن الجهاد، ويُقال إن هذا الرجل هو الذي أقنعه بوجوب السفر إلى الجهاد في "العراق".

مشرف وحدة رصد اللغة التركية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف

تم نسخ الرابط