الجمعة 05 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

في ندوة “البحر الأعظم” على شاطئ النيل العظيم

" تسابيح الغرام " للشاعرة زينب الشاذلي :غرام الوطن ، والمجتمع ، والتراث الإسلامي ، والتراث الشعبي

كلمة الدكتور علي
كلمة الدكتور علي مطاوع

شعر عامية بطعم الفصحى ، وجماليات الشعر العربي الأصيل. 
 

 يقول الدكتور علي مطاوع  أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بجامعة الأزهر في المقاربة النقدية حول  " تسابيح الغرام " أنها تجربة شعرية فريدة للشاعرة زينب الشاذلي قدّمتها مؤخرًا للذائقة العربية بعد أن أبدعت من قبل : نبض مهرة ،ومعالي الروح ،وقاب قلبين أو أدنى ،وخذها ولا تخف ،وبيننا مآرب أخرى ،وكلها دواوين شعرية اتّخذت من العامية  لغة لها،لكنها عامية بطعم الفصحى ،وجمال الشعر الأصيل في عذوبة ألفاظه ،وسلاسة عباراته ،وصدق تجاربه وعمقها ،وجيّد فكره ورؤاه ،وسحر إيقاعه وموسيقاه ، لتؤكد بهذا الإبداع شاعريتها ، وتميّز عطائها الشعري ،الذي وقف في وجه طوفان التبذل في القصيد العامي ،رافضة الإسفاف اللفظي ،والإغراق في السوقية ،والجرأة على معايير اللغة الشاعرة من نحو وصرف وبيان وإيقاع ،حتى جاءت جديرة بقيادة السفين لاستكمال مسيرة رواد هذا الفن ، من أمثال : بيرم ، والأبنودي ، وجمال بخيت ، وأحمد رامي ، ومجدي نجيب ، وصلاح جاهين ، وفؤاد حدّاد ، وسيّد حجاب ..

     فخرجت علينا اليوم من محراب الكلمة المبدعة / الرسالة / القضية - بدرّة إبداعها ؛ديوانها الأخير " تسابيح الغرام " لأربعين ( تسبيحة ) / تجربة شعرية إنسانية ،لم تبتعد فيها عن الفصحى التي تماهت مع عاميتها ،لتمحو وجود هُوّة بينهما ،الأمر الذي صبغ جُل هذه التسابيح / أقصد التجارب الشعرية بالقصيد الفني، لتجعلنا نحيا الشعر العربي الأصيل ،في عذوبة ألفاظه ،وسلاسة عباراته ،وصدق تجاربه ،بل في بنائه ،وتشكيله ،وصوره الفنية ،وسحر إيقاعه وموسيقاه ،مؤكّدة للذائقة العربية ما يثبت شاعريتها ،وتميّز عطائها الإبداعي ،واستحقاقها أن تحتل مكانة بجوار رواد هذا الفنّ ،أمثال :بيرم ،وجاهين ،وجمال بخيت ،ورامي ،وفؤاد حداد ،وسيد حجاب ،والأبنودي ،وغيرهم مِمّن عزفوا ألحانًا إبداعية أصيلة مازالت أرغولًا يُشجينا،وهاديًا لمن خلفهم أمثال شاعرتنا زينب الشاذلي التي تميّزت عن أبناء جيلها من شعراء العامية ،كمسعود شومان ،وجمال فتحي ،وعمر حسن ،وسالم الشهباني ،وعلي نوح ،ووائل فتحي ، وغيرهم مِمّن صنعوا طريقًا لهم في قصيدة العامية في المعاصرة .

    فهي تُعلن في تسابيحها الغرامية هنا عن مفهوم مُغاير للقصيدة العامية التي تلفّعت عندها بأثواب قصيدة الفصحى  في عمقها ،وصدقها ،وبنائها الفنيّ الماتع، وتجاربها التي تلاحق أنفاسنا حينما نقرأها ،بطريقة سردية تتابعية متدافعة في وقعها علينا ،آخذة قلوبنا وأرواحنا وعقولنا نحو آفاق بعيدة ،حاملة للكثير من الرؤى والتأويلات ،بداية من العتبة الرئيسة للديوان " تسابيح " والتي خصّت بها الغرام، مؤكدة سمو الغرام إذا كان في موقعه الحقّ،والدال الفني لغلافي الديوان ،والذي نقله اللون الأحمر بدرجة الياقوت الداكن / رمز حجر الياقوت الكريم ،والمرصع بالورد في الغلاف الأول ،والمحلّى في الغلاف الأخير بنصّ الشاعرة ( تسابيح الغرام )ليضفي هذا التشكيل الفني هالة من الإشراق والقداسة على غلافي الديوان ،ومعلوم أنّ اللون الأحمر رمز للأنوثة الجريئة والشخصية القوية الجريئة بكل ما للكلمة من معنى ،كما يدل في علم النفس على الإشراق ، والمشاعر القوية المتدفقة ، والتي نقلها نص الغلاف الأخير .

     كما أنّ هذا المفهوم الذي أعلنت عنه شاعرتنا في هذا الديوان ظهر كذلك في أوّل عتبة نصيّة في الديوان ( قلبي نبي ) والتي صدّرت بها قصائد ديوانها ، وكأنها أرادت لها أن تكون مطلعًا لقصيدة إنسانية كُبرى تضمّ العديد من الأصوات الإنسانية / تسابيح زينب الغرامية ..غرامها بالوطن / مصر المحروسة ؛( أرض الأنبياء والأوليا ،أرض الأسود ،أرض الجدود ) ،غرامها بالمجتمع الذي امتزجت بقضاياه ، وهمومه ،وأوجاعه ،وآماله ،وأعياده ،غرامها بتراثها التليد الذي ظهر جليًا في تناصها بشخصياته "سيدنا يعقوب ،سيدنا يوسف وإخوته ..شخصية العزيز، شخصية ناعسة ،شخصية المسيح عيسى بن مريم ،سيدنا موسى ،وسيدنا هارون ". بل أبدعت في تناصها مع تراثها الشعبي من أعماق واقعها المعيش ، فهي تحنّ كثيرًا وتحتفي في أكثر من نص بالديوان بالستّ ثومة ( أم كلثوم ) سيدة الغناء العربي ، والفنانة القديرة ( وردة ) ، والفنان الكبير ( وديع الصافي ) ولا شك أنّ تناص شاعرتنا وانفتاحها على هذه الرموز الفنية ،إنما هو رفض للأصوات النشاذ التي نالت كثيرًا من الفنّ الأصيل ،وأمرضت الذوق العربي الذي فُتن بحمو بيكا ، وشاكوش ،وبحة ،وغيرهم مما رفضته شاعرتنا التي أعلنت في شعرها عن وطنيتها الصادقة حتى في القصائد الرومانسية ..

 ولا شكّ أنّ براعة الشاعرة زينب الشاذلي في سبكها الفني لقصيدها هنا يؤكد أنّها

قد وُفّقت في توظيف ثقافتها المعرفية ، وإبداعها شعرًا يحمل رؤية ورسالة بلهجة عامية بطعم الفصحى وقداستها ، فلم تخرج عن نسق اللغة الأم التي قرأتها هنا في تجاربها قراءة عُروبية عربية مصرية خاصة بها ، تنبئ بذلك هذه التجربة الأم التي حملت عنوان الديوان ( تسابيح الغرام ) ،والتي ارتفعت فيها زينب بالعامية إلى بلاغة الفصحى التي رأيناها عند بيرم ، وجاهين ، وعبّرت بصدق فيها عن ذاتها ، وإنسانيتها ، وعذاباتها ، وهي : " المُرّة ، وهي السكّر ، وهي المُهرة المرهونة على باب الحبيب طوال الليل .." ،لكنها باستعاراتها الفنية النابضة " الهديل يسبح ،ونور القمر بيسبح ،وعيون الحلم غرقانة ،وهذي الورود التي تصدح ... " كل ذلك الإيقاع الجمالي الذي تآزر مع الإيقاع الوجداني النفسي ،والإيقاع النغمي لبحر الهَزج ( مفاعيلن / مفاعيلن ) بهزجه وتردد صوته المتتابع في انسيابية واتّساق ؛ يؤكد أنّنا أمام شاعرة كبيرة تستحق أن تكون امتدادًا حقيقيًا لجيل رواد القصيدة العامية المصرية الذين سكنوا مجتمعهم وأخلصوا له ، وهو ما وعته زينب جيّدًا من أنها جزءٌ فاعل من مجتمعها الذي تعيش بين أُناسه ،حتى جاء إبداعها انعكاسًا للواقع الاجتماعي الإنساني ،فلا يُمكن أن يكون للإبداع قيمة إنسانية إلّا إذا ارتبط بالمجتمع ، فوظيفة الإبداع هي وظيفة نقدية تقوم على إعادة صياغة الواقع ،وهو ما رأيناه كثيرًا في تجاربها ، من مثل هذا المقطع الشعري الذي جمعت فيه كثيرًا من رؤاها الفنية الماتعة :( عزايا بس الوحيد / هارسمقلوب ع الإيد / يمكن ف يوم تتلم / ريشة ،ودواية ، وقلم ) ، وتحقّق لها ما أرادت ..

 حيث اجتمعت الريشة / والدواية / والقلم / رموز المعرفة والفكر المستنير ،مع قلوب محبي الأدب حول شاعرة مجيدة استطاعت أن تُعيد لفن شعر العامية جماله وأصالته ، وطعمه الفصيح البليغ ،بل أعادت له وجهه الإنساني المشرق في تجاربه الإنسانية التي نقلت غرامها بالوطن مصر ،وغرامها بالأم ،وغرامها بالأخ والزوج الحبيب ،وغرامها بالمجتمع الذي انخرطت فيه وعاشت قضاياه وأوجاعه التي سكنتها وغرّدت تسابيحها من أجل وحدته الوطنية وحضارته ،وغرامها بتراثها الإنساني التليد ، لنسبّح معها في ليلة شاعرية على ضفاف النيل العظيم ،في قاعة محاضرات مكتبة البحر الأعظم بدعوة كريمة من الهيئة العامة لقصور الثقافة لمناقشة هذا الديوان بصحبة الأديب الدكتور ربيع شكري ،والفنان القدير أحمد ماهر وحضور لفيف من محبي الأدب ،الدكتور أشرف الرزيقي ،والفنان حسن عثمان ،واللواء رفعت الضرغامي ،والفنان التشكيلي السعودي محمد المهدي الدوسري ،والأم الرؤومة الأديبة مليكة الشيكير من المغرب الشقيق ،والشاعر متولي حجازي ،والعديد من أدباء القاهرة والجيزة ،وقيادات إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي يتقدّمهمالأديبة الخلوقة الأستاذة تهاني أبو جليل التي استمتعنا بمداخلتها حول لون غلاف الديوان وداله الفني .

  تحية لربّة الشعر العامي الأصيل التي وهبت لهذا الفن الشاعرة الرقيقة المبدعة زينب الشاذلي ؛ذلكم الصوت الشعري المصري الوطني المعطاء ،الذي ننتظر منها الكثير والكثير من إبداع حرفها الأخضر المتوهج ،لأرض ( الأنبيا والأوليا ) مصر المحروسة ، حفظها الله .  

تم نسخ الرابط