حين خان الأصدقاء والجيران.. النيابة تكشف تفاصيل قتل ابن السفير المصري
في المجمع السكني، حيث يُفترض أن الأمان يسكن القلوب، وأن الصمت يُحاكي سلام النفوس، ظهرت الحقيقة مُفجعة، كأنها شبح داهم هدوء المكان. خلف الأبواب المُغلقة، وفي ظلال الليل، التقى طمع النفوس وشرها، حيث تقاطعت دروب الغدر والخيانة.
في تلك اللحظات التي كان فيها الضحية يبحث عن الأمان في مسكنه، تآمرت عليه أيادٍ آثمة وأرواح ضالة.
لم يكن يعلم أن مسكنه، الذي طالما كان موطناً للراحة، سيصبح شاهداً على مأساة تُدمي القلوب.
من أين أتى كل هذا الجموح؟ كيف تحوّل الطمع إلى سكين؟ وكيف صار الحقد وقوداً لجريمةٍ أودت بحياة إنسان؟
استكمل ايهاب العوضي رئيس نيابة الشيخ زايد مرافعته أمام محكمة جنايات الجيزة برئاسة المستشار اشرف الهواري وعضوية المستشارين وائل عبد الله و محمد يوسف في قضية انهاء حياة ابن السفير المصري السابق في السعودية، قائلا:
مجمع سكني .. حيث الأمان يُخيم .. والصمت يُغيّم، هذا هو المكان... إلا أنه وقع ما لم يكن في الحسبان. كل شيء بدا هادئاً لكن خلف هذا الهدوء.. كانت هناك نفوس تخبئ السوء يوسف ومارك جاءا متسللان كالنسمات لم يحملا معها إلا العداوات.. وزرعا الرعب بجرأة وجفاء.... خططا بعزم .. خططا في خفاء.. حملا أسلحة حادة كالسم .. ترقبا لحظة الانقضاض والانتهاز
فاجئا عمرو بخطى كلمح البصر.. وأنفذا النصل في صدره .. فخلف الألم والحسر الجدران شاهدة، والنهار صامت كأنين، وبين تلك وذاك ولدت الحقيقة في طيات اليقين.. ضبط من كان في الإجرام عتيا.. وتلك بإيجاز وقائع القضية... مارك ويوسف أخذا يتدبران.. كيف يأتيا جرمهما الذي يبغيان.. جلسا سويا في مجلس يحفه الشيطان.. وأفضى كلا منهما إلى الآخر بفكره المسموم.. وحقده الدفين.. وتلاقت أنفسهما الخبيثة وتوافقت إراداتهما الفاسدة.. تآلفت أروحهما الضالة المضلة، نسجا خيوط جرمهما وشنيع اثمها.. صنعا من تلك الخيوط شبكة ظنوا أنها محكمة.. ولكنها كانت هشة كبيت العنكبوت تلك الشبكة التي تعثرا بها.. فقادتهما اليوم الى حيث هم الآن ... خلف القضبان، فتواعدا وتعاهدا مع الشيطان .. تعاهدا على الفساد والإفساد.
أما عن يوم الواقعة، يَوْمَ عَادَ الْمَجْنِّي عَلَيْهِ إِلَى دَارِهِ .. يَحْسَبُ دَارَه دَارَ الأَمَانِ وَالْحَق.. إِنَّهُ كَانَ لَهُ دَارَ ضَيَاع .. عاد إلى منزله بخطوات متسارعة .. لمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بأنه سيشهد نهايته .. عمد إلى غرفتِهِ يَنْشُدُ الْرَاحَةَ.. وقد قضى المتهمان الليلة السابقة.. تفتك بهما جنون رغباتهما المسمومة
وقد اختمرت فكرة قتل المجني عليه وسرقته برأسها .. وفي صبيحة يوم الحادث السادس من شهر سبتمبر عام 2024، حصد جنون الطمع ما تبقى لهما من عقول.. وقد بديا مصران على تنفيذ رغبتهما الإجرامية، أتيا إليه المتهمان بأيد آثمة، طَغَى ذَلِكَ عُنفاً عليهما وضَعُفَتْ القُوةُ المَانِعَةُ لديهما ودلفا لمسكنه.. فَأَعَدَّا العُدَّة -
سكين وعصا وصاعق كهربائي وحبل -، صعدا لسطح مسكن يوسف... وبسهولة انتقلا لسطح بناية المجني عليه المجاورة، قفزا، دلفا من الشرفة.. واستلا خنجراً من صالة الشقة.. وأخذا يبحثان في كل أرجاء المسكن عن أموال ومنقول قيم ولاحظا في غضون تلك الفترة أن المجني عليه نائماً بغرفته أمناً ومطمئناً .. فاستمرا في البحث حتى حانت اللحظة الفارقة.. تسللا إلى داخل غرفة نومه.. حاوطاه من كل اتجاه، وصعقه مارك بالصاعق الكهربائي.. إلا أنه استيقظ من سباته وأكتشف أمرها .. ودار رأسه في كل مكان.. متسائلاً من أنتم ؟ ؟ .. وهم بالاستغاثة، إلا أنه قد بدى الشر يكسو ملامحهما، وألقيا الرعب في صدره.. فسَخَّرَا قُوَّتَهما الجسدية قبلَ عمرو .. وسدد له يوسف عدة طعنات نافذات، فأَعْيتُهُ قوتُهُ الْجَسَدِيَّةُ، إلا أنه تمسك بأمل الحياة، فانطلق مهرولاً نحو باب الشقة، ودمائه تتناثر في أرجائها، مصرخاً بالاستغاثة.. لاحقوه وتمكنوا منه، ظلا منقضين عَلَيْهَ بِمَخَالِب ضَارِيَةٍ ... وَضَمِيْرٍ غَائِبٍ طَمَسَ عَلَى قَلْبِهِما .
ضربه يوسف مرة أخرى على كتفه بالعصا .. إلا أن مارك قرر ألا يترك له متسعاً .. عَلَّه يَنْجُو من قبضتها الدامية، فعاجله بطعنة نافذة في صدره.. کوحش كاسر أنفلت عنه عقله، وأضحى شيطان مريداً يستبيح الحرمات سوی شبح الموت يشق الظلام.. فنادى على من اعتقد أنه رفيقاً مستجدياً، فلم ترى عيون عمرو المعذبتان بالخوف.. "يوسف ... يا يوسف"، فَلَمْ يَتَرَدَّدْ الأخير ولم يسْتَجِب حتى أجهز عليه بضربة بالعصا فسقط، وإذا بضوء النهار ينطفئ بغتةً
فيسود الظلام .. وإذا بالصراخات تسكت
فيسود الصمت، وكف عمرو عن المقاومة بلا إرادة، وتغلغل الصمت في الدنيا جميعا...
وتسائل هل رأفا بي ؟؟ هل سيداويان جراحي ؟ ؟
ولكن سرعان ما تلاشى التساؤل وموضوعه على السواء، وبلا أدنى أمل، تكاثف الظلام فلم يعد يرى شيئاً، وغاص في الأعماق بلا نهاية، ولم يعرف لنفسه وضعاً ولا موضوعاً ولا غاية.. وجاهد بكل قوة ليسيطر على شيء ما .. ليبذل مقاومة أخيرة، وأخيراً لم يجد بداً من الاستسلام فاستسلم، فلم يتركاه إِلَّا وَقَدْ فَاضَتْ رُوحُهُ إلى بارئها جُنَّةً هَامِدَةً تركا المجني عليه غارقاً في دمائه و باتا يفتشا في أرجاء الشقة.. باحثان عن مرادهما .... حتى استوليا على مبالغ مالية ومفاتيح السيارة وهاتف محمول وجهاز لاب توب .. وبطاقات ائتمان.. وأخذا يتجولان في أنحاء المسكن عقب أن تركا صريعهما.. وجلسا في إحدى الغرف بالشقة.. يحتسيان من زجاجتي بيرة، غير أبهين بالجرم الذي اقترفاه.. ولم يكن يدركا أن الزجاجتان، ستشهدان عليهما يوم الحق.. كانت الخطة أن يتخلصا من جثمان المجني عليه، إلا أنهما تركاها مَخَافَةَ أَنْ يُفْتَضَحَ أَمْرُهُما، وأرجئا قرار إخفاء جثته لحين إشعار آخر .
فغادرا المنزل مستقلان سيارة المجني عليه، متوجهان إلى محل اعتادا الوقوف بجواره .. واغتسلا من دماء عمرو التي سالت ولطخت ملابسها.. سيادة الرئيس حضرات السادة المستشارين..
بزغ دور المتهم الثالث
حين لجأ إليه المتهم الأول يوسف.. وقال له أن يا إبراهيم.. إني قتلت قتيلاً، وأريد أن أخفي دليلاً
فلجأت إليك، كي تعينني على فتح النمط السري لهاتف عمرو، وإخفاء جثته.. فأجابه إبراهيم بثقة العارفين.. أن خبراء البرمجة لي كملك اليمين.. ولا تقلق.. سأخفي من قُتِلَ بمكانٍ دفين .. إذ به كشر عن أنيابه.. وقد واتته الفرصة لإشباع شهواته.. شهواته المتمثلة في جمع المال.. غير عابئ أيكون حراماً أم حلال.. فطلب منه مبلغ مالي عشرون ألف جنيهاً، فتهللت أسارير يوسف ووافق على الفور.. لم لا ؟ ..
فما سيدفعه لإبراهيم سيستر فعلته النكراء
ويصبح بعدها من الأثرياء، حتى وإن كان على حساب الأبرياء. فأخذ منه الهاتف وقطع وعداً له بفك شفرته.. إلا أنه سيادة الرئيس.. حضرات السادة المستشارين .. لم يلحق بفك نمط الهاتف المحمول.. ولا حتى إخفاء المقتول .. فتمكن رجال البحث من إعمال العقول.. وجرى ضبط المتهمين الثلاثة وكُشِفَتْ أفعالهم النكراء.. فحان وقت القصاص.