شهدت سوريا تغييرا جذريا دون أدنى شك، لكن هل بالفعل تحررت؟! وهل يمكن القول أن الشعب السوري أضحى مالكاً لإرادته دونما وصاية أو كفالة خارجية، وهل أضحى السوريون قادرون حقا على امتلاك حق تقرير مصيرهم، وما هو حجم المكاسب والخسائر التي تحققت جراء سقوط الأسد وسيطرة الفصائل المعارضة، وما حجم انعكاسات ذلك على سوريا من جهة، والشرق الأوسط والصراع القائم فيه بأبعاده الإقليمية والدولية؟
نعم نجحت المعارضة السورية في الإطاحة بنظام الأسد بعد نحو نصف قرن من السيطرة والقبضة الأمنية القوية، وكذلك تحرير السجناء، وتغيير وجهة البلد الذي ظل طوال تاريخه الحديث حليفاً قوياً لمحور روسيا وإيران، وداعما لمحور المقاومة، وجزءا مهماً من ركائز المواجهة العربية الإسرائيلية، ونجاح المعارضة هنا يأتي انتقاماً للسوريين الذين جرى تشريدهم والتنكيل بهم والنيل من مقدراتهم منذ عام 2011، وربما قبل ذلك بكثير ، وهنا يمكن أن نتفهم فرحة السوريين وتعاطفنا معهم من هذا الجانب.
على الجانب الآخر وبشكل عملي لا نستطيع القطع بأن سوريا تحررت وبشكل كامل، لأنها نقلت ملفها من منطقة نفوذ روسي إيراني ومنطقة امتداد طبيعي لحزب الله، إلى منطقة نفوذ أمريكي تركي إسرائيلي، وذلك لم يعد خاف على أحد، فكل من أمريكا وإسرائيل وتركيا أعلنوا عدوانهم الثلاثي على سوريا وكان لكل منهم دوره الواضح في هذا الجانب، وخاصة من حيث التجهيزات وتهيئة مسرح العمليات وما صاحبه من حرب إعلامية ونفسية رهيبة، الأمر الذي عجل بسقوط جيش الأسد المنهك بلا مقاومة تذكر، لتتجلى انتهازية أردوغان ونتنياهو على السواء، واستشعار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته بنشوة الانتصار على روسيا وسوريا معا، واستعادة النفوذ الأمريكي في المنطقة مرة أخرى.
على الجانب المتصل دمرت إسرائيل على عجل كامل تمركزات ومعدات وتسليحات وذخائر وبنى تحتيه ومنظومات دفاع جوي وقطع بحرية ومطارات ومراكز بحثية وكل ما يرتبط بالجيش السوري بصلة لينقض على نحو 350 موقعا للجيش السوري ليقضي على كامل قدراته وليرتكب في 48 ساعة ما لم يستطع ارتكابه في 50 سنة مضت، فضلا عن السيطرة على كامل هضبة الجولان ومرتفعات تمكنه من كشف كامل للأراضي السورية .
ولعل مجمل ذلك وملابسات حدوثه لتشير بشكل كاشف لصفقة تمكين المعارضة من سوريا منزوعة السلاح بلا جيش يمثل تهديدا من أي نوع لاسرائيل، مثله مثل الجيش اللبناني، ولتبقى تهديداته المبطنة أحياناً والعلنية أحيانا أخرى تضع العراق على المحك، وليكمل نتنياهو الأمر بحديثه عن أن إسرائيل تقاتل على 7 جبهات في وقت واحد، لتشمل كل من غزة، والضفة، ولبنان، وسوريا واليمن والعراق وإيران، وهو الأمر الذي يجعل ذلك المتطرف الأهوج يتلاعب بمصائر دول المنطقة مسيئا استغلال اتفاق السلام الذي يجمعه بمصر، لتبدو مصر كالأسد المكبل بقيد اتفاق السلام، وإن كنا نؤمن أن كل ما يجري في المنطقة هدفه في النهاية مصر، التي إن تحين العدو الإسرائيلي الفرصة فلن يدعها، وأنه حاول في إدبان ثورة يناير لكن يقظة مصر ، وقوة الدعم العربي حال دون حدوث ذلك، لكن نوايا السوء والخيانة مبيتة وواردة بأي وقت.
وعود للملف السوري فكل ما يجري من تدمير للجيش الوطني السوري للأسف رغم إدانته من مصر وكافة الدول العربية إلا أن الشرع لم يعلق بكلمة واحدة على تدمير جيش بلاده التي باتت بين لحظة وضحاها بلا جيش ولا معدات وتم تسريح القوات بعد فقد الأسلحة والمعدات .
لتخرج سوريا من الوصاية الروسية الإيرانية ونفوذ حزب الله لتدخل وصاية ونفوذ أمريكي تركي إسرائيلي.. فهل ربح الكيل؟ وهل تحررت؟ أم دخلت في أسر جديد ومخاطر بلا نهاية.
حفظ الله مصر وجيشها، ونسأل الله النجاة لسوريا. شعبها.