حينما قرأت للدكتور طه حسين معظم ما كتبه-إن لم يكن كله- كنت أجد وعاء الرجل العلمي شبه فارغ، وكتاباته في الأدب والنقد ضحله لاتروي لي ظمئا، ولا تقدم لي شيئا أجد فيه مبررا لهذا الاحتفاء والتكريم الذي ناله ما لم ينله غيره من كبار المؤلفين والمبدعين في عصره الذين ملأوا سمع الزمان إبداعا وتأليفا، حتى لقب بعميد الأدب العربي، وأرى ويرى معي كثيرون غيري أن الشيء الذي تفوق فيه طه حسين هو طعنه في القرآن الكريم طعنا صريحا مباشرا لم يجرؤ على القيام به أشد أساتذته من المستشرقين كراهية للإسلام، كما لم أجد له- أيضا- إلا ثورته العاتية على التراث وبخاصة الشعر الجاهلي الذي نفاه كله وادعى أن جميعه منتحل قاله شعراء إسلاميون ونسبوه وهما وخيالا إلى الجاهليين، وألف كتابا في ذلك عبأه بالأغاليط والأباطيل، منها ما نسبه إلى كبار علماء الأمة في القديم والحديث وأوثقهم رواية ما لم يقولوه ليطوع نصهم لخدمة أفكاره الضالة المضلة، مثلما فعل مع أفضل وأصدق وأوثق علماء الأمة صاحب إحدى القراءات القرآنية، أبو عمرو بن العلاء.
وما عدا ذلك فهو كلام أجوف لايصنع عقلا ناقدا، ولا يقدم فكرا مجددا.
وكنت قبل أن أقرأ له ذلك النتاج أتوقف مستغربا متعجبا من موقف المحقق العلامة الشيخ محمود شاكر، الذي بسبب طه حسين ترك الدراسة بكلية الآداب، وذلك عندما استمع إليه فأدرك من خلال تشويهه لكل ما هو تراثي والطعن فيه، وكذلك هجومه على الأزهر ليل نهار ودعوته إلى تقزيمه، وتغيير مناهجه، وقد زالت دهشتي من موقف شاكر لأنني خرجت من خلال قراءتي لنتاج طه بنفس رؤية الشيخ شاكر، وهناك كثيرون انتهوا إلى ما انتهى إليه شاكر إلا طائفة من العلمانيين الذين جعلوا منه صنما يتعبدون به من خلال التمسك بآرائه التي وافقت هواهم. وللأسف فإن جهات حكومية كثيرة تبنت فكره، بل إن الدولة نفسها في ذلك الوقت نصبته وزيرا للمعارف ليجلس على أهم كرسي موجه لعقول أبناء الأمة، وعملت وزارة الثقافة في كل العصور على نشر أفكاره ورؤاه التي تضرب بعمق في جذور التراث الإسلامي والعربي ولا تزال،
سواء من خلال المجلات والدوريات التي تصدر عنها أم الكتب التي تنشرها لمؤلفين لا هم لهم سوى نشر وتسويق تلك الأفكار المسمومة، وما نجده الآن من أصحاب هذا الفكر الهدام هم تلاميذ على تراث طه حسين. وظل كل الذين لهم موقف من مؤلفات وإبداعات طه حسين يتهيبون من إبداء آرائهم لأنهم كانوا متأكدين بأن الهجمة عليهم من أنصاره من العلمانيين ستكون شرسة وستضامن معهم أقلام من الذين يقبعون على كراسي المسئولية في وزارة الثقافة وهيئاتها وقصورها المختلفة لأنهم مناصبهم ومرتباتهم مرتبطة بالحفاظ على هذا الفكر حيا ذائعا مشهورا منشورا، ولكن لن تعدم الكلمة الصادقة رجالا يقولونها بكل قوة وجرأة مهما كانت التبعات والمسئوليات، ومن هؤلاء الرجال الأخ العزيز، والصديق الكريم العالم الأستاذ الدكتور حسن مغازي أستاذ الدراسات اللغوية، الذي نشر على صفحته مقالا يوزن كل حرف منه بالذهب الإبريز وضح كثيرا من الألغاز التي حيرت وتحير كثيرا ممن شغلتهم حياة طه حسين وبخاصة في مرحلة الابتعاث إلى فرنسا، وما كان فيها من تحولات خطيرة في أفكاره ورؤاه جعلته يعود وقد ووظف عقله وقلمه لهدم ثوابت الدين والتراث. ولم تكن هذه آخر القضايا التى تصدى للحديث عنها وكشف السموم التي تنفثها في عقول أبناء الأمة، فقد تعرض بشجاعة علمية منقطعة النظير، وبنقد موضوعي لقضية الشعر الحر، والذي سماه (الشعر العر) سخرية بهذا النوع من الشعر وشعرائه الذين عجزوا عن قول الشعر العمودي فلجأوا إلى قول شعر الحر .
ويبقى أن أؤكد على أن للحق رجالا، يُعرف بهم ويُعرفون به.
وهذا هو مقال الدكتور ( حسن مغازي) عن طه حسين، تشرف صفحتي بنشره، نسخا من صفحته.
إد. حسن مغازى
.............
طاها حسين كان تلميذا أزهريا(مغمورا، ضعيفا علميا)؛ هو يقر بذلك فى مكتوبه الضعيف(الأيام)المفعم ركاكة وابتذالا، ونجبر فلذات أكبادنا على مطالعته فى الإعدادية، هو لم يستطع استكمال(العالمية)فى الأزهر الشريف، اجتهد أن يتم دراسته فى(دار العلوم)، ففشل فشلا ذريعا فى مجرد الالتحاق بتجهيزيتها، لذا اتجه إلى(الجامعة الأهلية المصرية)عند افتتاحها فى مايو ١٩٠٨، ولأسباب(غير موضوعية)استطاع خلال ستة أعوام فى ١٩١٤ أن يحصل ليس فقط على شهادتها الدنيا، وإنما على درجة الدكتوراه فى(ذكرى أبى العلاء المعرى)، ومن الأسباب(غير الموضوعية)نفسها دبر له أهلها سفرا إلى فرنسا، يدرس من جديد فى(السوربون) ...
كان هناك قبله الدرعمى النابه معالى الدكتور(أحمد ضيف)، ولأن ذلك الدرعمى رفض بإباء شديد إملاءات السوربون عليه عاش حياته كلها بعد عودته منبوذا، لا يحصل على شىء من منصب، أو مال، أو نفخات كواذب كالذى أغرقوا به طاها ... !
هناك فى باريس حصل طاها على ديبلومة فى(تاريخ اللاتين)، ومنحوه دكتوراه فى(الاجتماع والأنثروبولوجى)عن دراسة له فى(ابن خلدون) ...
المتوقع الطبيعى بعد عودته أن يعمل فى حقل الأنثروبولوجى، لكن ذلك لم يحدث لحظة واحدة، هم يعلمون أن مستواه فيها أضعف من أن يعمل فيها. هو لم يكتشف مثلا ما تقر به مصادرهم من أن فريناندو قد استجمع عددا كبيرا من(النساخ)، يعيدون له كتابة ابن خلدون مغيرين فى جميع النسخ(المستجدة)كل(العرب)إلى(البربر)معدمين النسخ الأصول، وما زال الناس يتداولون المزورات على أنها أصول ... !
ولما عاد إلى الجامعة المصرية اشتغل فترة فى(تخصص التاريخ اللاتينى)؛ ذلك هو(تخصصه)الذى به جاء قبوله للعمل فى الجامعة ...
ثم فجأة، ومن دون(أسباب موضوعية)صيروه أستاذا فى(الأدب العربى)، وهو الذى لم يدرس منه شيئا ذا بال سوى صحائفه فى(أبى العلاء)، ومؤخرا أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب تلك(الصحائف)، عنوانها(تجديد ذكرى أبى العلاء)، وحين طالعتها لم أجد فيها سوى(نتف)عن المعرى، لا رابط بينها، لو قدمها لنا تلميذ فى الليسانس لما قبلنا منه مستواها ...
النقطتان الأهم فى تلك المسيرة كلها؛ أولاهما(بضع الليالى)التى عاشها طاها فى مزرعة القس الكاثولوكى الماسونى الصهيونى(بريسو)، يتلقى فى كل ليلة كوكبة من(الشروط)؛ حتى يمكنه الحصول على الزواج من(ابنة بريسو)المسماة(سوزان) ... !
وأخراهما ما اختاروه له من(أساطين الإلحاد)، يعلمونه(بالأمر)ما(يجب)عليه تنفيذه فور عودته إلى القاهرة، وقد نفذ كما يريدون، فرفعوه أستاذا من التاريخ، إلى الأدب العربى، إلى عمادة كلية الآداب، إلى وزير المعارف، إلى عضو البرلمان، إلى(عميد الأدب العربى) ...
منذ أكثر من ربع قرن كنت قد التهمت جميع ما نشره باسمه طاها، سواء فى كتب، أم فى مقالات، وأشهد أن(جميع ما قرأته له)لم أجد فيه أدنى درجة من درجات(الابتكار)التى هى(شرط لائحى)فى أى ترقية فى العمل الجامعى، لم أجد سوى(تكرار ممل)فى كل صفحة، و(أخطاء متنوعة)فى تكوين الجملة العربية، تخلو جميع أعماله من أية درجة من درجات(الإمتاع)، أو(الإدهاش)، أو(نقل المعرفة)، أو ... ، لم يضف شيئا مهما إلى ذاكرتى ... ! وإنما أصاب وجدانى بمقادير من الإفساد ...
فإذا أضفنا إلى ذلك ما اقترفه ضد أدبنا العربى من(تهمة الانتحال فلابد أن نتذكر أنه كان منفذا ما أمره به شيخه الملحد الصهيو نى(مارجليوث)الذى على اسمه اليوم مستوطنة فى شمال فلسطين اعترافا بما أسداه إلى دولة الخنازير ...
وكذلك ما أمره به شيخه الماسونى(نلينو)منتجا إجرامه ضد عقيدتنا ...
إن للتوراة أن تحدثنا ما شاء لها الحديث عن إبراهيم وإسماعيل، وإن للإنجيل كذلك أن يحدثنا ما شاء له الحديث عن إبراهيم وإسماعيل، وإن للقرآن أيضا أن يحدثنا ماشاء له الحديث عن إبراهيم وإسماعيل ... ، لكن ذلك كله(لا يكفى لإثبات وجودهما تاريخيا فى هذه الحياة ... ! بل إنه أنكر ذهاب إبراهيم إلى مكة بابنه إسماعيل ... ! ذلك حتما يحقق هدف(مارجليوث)فى أن وجود(العرب)لا جذور له فى الحجاز، وأنهم هناك طارئون، وأن الوجود التاريخى هناك لليهود فقط ... !
حديثه الشائك عن النبيين الكريمين الأخوين(إسماعيل)، وإسحق)مشككا فى من منهما(الذبيح)، ومثبتا بينهما ما ينتج علاقة(أبناء العمومة)بين العرب ويهود، وأن نبينا الخاتم كان هو الذى سعى إلى توطيد العلاقة معهم؛ ليكونوا ردءا له ضد قبائل العرب(المشركين)
اتهامه الشعر الجاهلى بأنه(قد اصطنعه شعراء مسلمون؛ كل منهم أراد إثبات أن له جدا كان شاعرا مجيدا قبل الإسلام)، تلك النقطة وحدها(فيما يسمى قضية الانتحال)كافية فى تصور القرآن الكريم كلاما بلا جذور فى العربية، بل كافية فى نفى قيمة الإعجاز فى القرآن الكريم.
وتنسب المصادر إليه أبياتا(صريحة الإلحاد، صريحة الماسونية)، وهى فنيا فى منتهى(الضعف)، ولغويا فى منتهى(الركاكة)، وفكريا تكرر دعاوى الاستشراق ضد عقيدتنا، بل ضد ربنا فى علاه، وعروضيا(عديمة النغم)؛ لأنه أصلا كان متكرر الرسوب فى علم العروض فى الأزهر الشريف ... !
كنت أظن أنك المضلُّ * وأنك تهدى من تشاءْ
الضار المقيتُ المذلُّ * عن صلف وعن كبرياءْ
جبار البأس تُـكِنُّ * للناس مكرا ودهاءْ
تقـطع أيادى السارقين * وترجم أجساد النساء
تـقيم بالسيف عدلا * فـعدلك فى سفك الدماء
فيا خالق القاتلين قُـلْ * لى أين هو إله الضعفاءْ
لوكنت خـالـق الكل ما * حرمت بعضهم البقاءْ
وما عساك من القــتل تجْنى غير الهدم والفناءْ
فهل كنت أعبـد جـزارا * يسحق أكباد الأبـرياءْ
أم كنت أعبد شيطانا * أرسل إلينا بخاتم الأنبياء
حسبتُ الجنة للمجاهدين * سيسكن فيها الأقوياءْ
تمْرٌ وعِنبٌ وتينٌ * وأنهار خمرٍ للأتـقياءْ
خير ملاذ لجائعين عاشوا فى قلب الصحراء
وأسِرَّةٌ من ياقوت ثمين * وحور تصدح بالغناء
نحن عاشقات المؤمنين * جئنا ولبينا النداءْ
جزاكم الله بنا فانـظروا * كيف أحسن الله الجزاءْ
هل جنتك كفاحٌ وصياحٌ وإيلاجٌ دون انثناء
تجدد الحور الثيب بكرا * وأنت من تقوم بالرفاءْ
هل كنت أعبدُ قوادا * يلهو فى عقول الأغبياء
أم كنت أعبد شيطانا * أَرْسل إلينا بخاتم الأنبياء
فى عنفوان نفوذه انتشر عنه هذا(الإلحاد الصريح)، ولم ينكره، لم يتبرأ منه، لم يتعامل قضائيا مع من نسبها إليه، بما ينتج حتما أنها له، أو على الأقل هو راض عن نسبتها إليه، أو قل هو(مضطر إلى الصمت فى هذا الشأن)للأسباب غير الموضوعية نفسها ... !
ثم إنه فى(تثليثه)أصناف الكلام فى العربية؛ (شعر)، و(نثر)، و(قرآن)نجده يضع كلام الله فى الرتبة(بعد الصنفين)، وفى ذلك إلماح إن لم يكن تصريحا بأنها قيمة القرآن عنده
نعم فى مقابل ذلك أدى فريضة الحج فى صيف ١٩٥٥م، وتخبرنا المصادر بأنه قصد المشى(حافيا)فى المدينة المنورة، وأنه(صام عن التحدث)مع أى شخص هناك إلى أن صار خارج حدود المدينة حتى بدأ بالتحدث مع مرافقيه معلنا أنه ينفذ قول ربنا:
[يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تَرْفَعوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِى وَلا تَجْهَروا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ].
نعم طبعا له مؤلفاته فى الجانب الدينى؛ (على هامش السيرة)مثلا، إنما حتى فى هذه نجد فكره فى(الفتنة الكبرى)يتهم عددا من الصحابة بما لا يليق ...
السؤال الملح منذ أكثر كن ربع قرن فى عقلى ...
ما الأسباب(غير الموضوعية)التى أنتجت لنا(ضخما)من(لا شىء) ؟
بل كيف(لهذا)أن يوسد(عمادة الأدب العربى)كله بجميع صنوفعده، وفى جميع أصقاعه من الماء إلى الماء، لا سيما فى وجود(أساطين الأدب)من شوقى إلى حافظ إلى العقاد إلى الى الرافعى إلى المنفلوطى إلى ...
فنيا تشيل كفة طاها بجميع نتاجه فى مقابل الكفة الأخرى حاوية رسالة واحدة من(حديث القمر)، أو من(رسائل الأحزان)التى أرسل كلا منها إلى(مى)، وعشوائيا أختار رسالته(زجاجة العطر):
«يا زجاجة العطر:
اذهبى إليها، وتعطرى بمس يديها، وكونى رسالة قلبى لديها، وها أنا ذا أنثر القبلات على جوانبك، فمتى لمسَتْك فضعى قُبلتى على بَنانها، والقَيْها خُفْيةً ظاهرةً فى مثل حُنُوِّ نظرتِها وحنانِها، وأَلمِسيها من تلك القُبلاتِ معانىَ أفراحِها فى قلبى، ومعانىَ أشجانِها، وها أنا ذا أصافِحُك، فمتى أخذَتْك فى يدها فكونى لمسةَ الأشواقِ، وها أنا ذا أَضمُّكِ إلى قلبى، فمتى فتحَتْكِ فانثُرى عليها فى معانى العطر لمساتِ العِناق».
لكن طاها فى رداءته لا يعجبه التبر المنسبك فى لسان الرافعى؛ نشرت(مجلة المقتطف)لطاها قالته البذيئة:
(نظلم الرافعى إذا قلنا إنه يَشُقُّ على نفسه فى الكتابة والتأليف، بل أنت تُنصِفُه إذا قلت إنه ينحت من صخر، إن كل جملة من هذا الكتاب تبعث فى نفسى شعورا قويا مؤلما بأن الكاتب يلدها ولادة، وهو يقاسى من هذه الولادة ما تقاسى الأم من آلام الوضع).
ويعلن(الرافعى)اشتعال المعركة، واحتدام لهيبها بالرد عنيفا على(طاها)فى(مجلة السياسة الأسبوعية)، من ذلك:
(الأستاذ الفهامة الدكتور طه حسين:
يسلم عليك المتنبى، ويقول لك:
وكم من عائب قولا صحيحا
وآفته من الفهم السقيمِ
قرأت ـ يا سيدى ـ ما كتبته عن(رسائل الأحزان)؛ مما(أتسمَّح)فى تسميته(نقدا)، وألممتَ بالغاية التى أجريت لها كلامك، وما كان يخفى علىَّ أن:
فى الحق ما يسمى(تعسفا)،
وفى النقد ما يدعى(تهجما)،
وفى المنطق ما يعرف(بالمغالطة)،
وفى كل صناعة ما هو(انتحال)، و(دعوى)، و(تلفيق).
وانطلق الرافعى من هذه المقدمة الحادة الساخرة إلى التصريح بالهجوم على كتابات(طه حسين)فى(تاريخ الأدب)قائلا:
" أفلا تسأل نفسك"
لِمَ لم تعجبنى كل الفصول التى كتبتها فى الأدب وتاريخه،
وأنت تتخبط منذ سنين، وتكتب كل أسبوع مرة،
فإن سألتها فهل تستخرج من ذلك إلا أن هذه الفصول هى فى رأيى(خلط مخلوط)،
تركب فيها الشطط، ثم تعتسف الطريق، ثم تضع التاريخ كما تخلقه أنت، لا كما خلقه الله، وتصول على الأموات الذين لا يملكون دفعا، ولا ردا، ولا حوارا، ولا جوابا"
طاها فى أثناء عضويته بمجمع الخالدين تبجح ضد العربية داعيا جهارا نهارا إلى ما لم يجرؤ عليه عتاة المستشرقين؛ دعا إلى ترك(الألف المقصورة)، قال نكتب:
مشا فلان يمشى
سعا فلان يسعا
نعم طبعا لم يترك له(الدراعيم)متكأ، إنما الواضح فى دعواه أنه ليس سوى(ببغاء)المستشرقين الملحدين ضد عربيتنا وأدبنا وعقيدتنا ...
من هذا(الطاها) ... ! منه صنما يتعبدون به من خلال التمسك بآرائه التي وافقت هواهم. وللأسف فإن جهات حكومية كثيرة تبنت فكره، بل إن الدولة نفسها في ذلك الوقت نصبته وزيرا للمعارف ليجلس على أهم كرسي موجه لعقول أبناء الأمة، وعملت وزارة الثقافة في كل العصور على نشر أفكاره ورؤاه التي تضرب بعمق في جذور التراث الإسلامي والعربي ولا تزال،
سواء من خلال المجلات والدوريات التي تصدر عنها أم الكتب التي تنشرها لمؤلفين لا هم لهم سوى نشر وتسويق تلك الأفكار المسمومة، وما نجده الآن من أصحاب هذا الفكر الهدام هم تلاميذ على تراث طه حسين. وظل كل الذين لهم موقف من مؤلفات وإبداعات طه حسين يتهيبون من إبداء آرائهم لأنهم كانوا متأكدين بأن الهجمة عليهم من أنصاره من العلمانيين ستكون شرسة وستضامن معهم أقلام من الذين يقبعون على كراسي المسئولية في وزارة الثقافة وهيئاتها وقصورها المختلفة لأنهم مناصبهم ومرتباتهم مرتبطة بالحفاظ على هذا الفكر حيا ذائعا مشهورا منشورا، ولكن لن تعدم الكلمة الصادقة رجالا يقولونها بكل قوة وجرأة مهما كانت التبعات والمسئوليات، ومن هؤلاء الرجال الأخ العزيز، والصديق الكريم العالم الأستاذ الدكتور حسن مغازي أستاذ الدراسات اللغوية، الذي نشر على صفحته مقالا يوزن كل حرف منه بالذهب الإبريز وضح كثيرا من الألغاز التي حيرت وتحير كثيرا ممن شغلتهم حياة طه حسين وبخاصة في مرحلة الابتعاث إلى فرنسا، وما كان فيها من تحولات خطيرة في أفكاره ورؤاه جعلته يعود وقد ووظف عقله وقلمه لهدم ثوابت الدين والتراث. ولم تكن هذه آخر القضايا التى تصدى للحديث عنها وكشف السموم التي تنفثها في عقول أبناء الأمة، فقد تعرض بشجاعة علمية منقطعة النظير، وبنقد موضوعي لقضية الشعر الحر، والذي سماه (الشعر العر) سخرية بهذا النوع من الشعر وشعرائه الذين عجزوا عن قول الشعر العمودي فلجأوا إلى قول شعر الحر .
ويبقى أن أؤكد على أن للحق رجالا، يُعرف بهم ويُعرفون به.
وهذا هو مقال الدكتور ( حسن مغازي) عن طه حسين، تشرف صفحتي بنشره، نسخا من صفحته.
**********************
د. حسن مغازى
.............
طاها حسين كان تلميذا أزهريا(مغمورا، ضعيفا علميا)؛ هو يقر بذلك فى مكتوبه الضعيف(الأيام)المفعم ركاكة وابتذالا، ونجبر فلذات أكبادنا على مطالعته فى الإعدادية، هو لم يستطع استكمال(العالمية)فى الأزهر الشريف، اجتهد أن يتم دراسته فى(دار العلوم)، ففشل فشلا ذريعا فى مجرد الالتحاق بتجهيزيتها، لذا اتجه إلى(الجامعة الأهلية المصرية)عند افتتاحها فى مايو ١٩٠٨، ولأسباب(غير موضوعية)استطاع خلال ستة أعوام فى ١٩١٤ أن يحصل ليس فقط على شهادتها الدنيا، وإنما على درجة الدكتوراه فى(ذكرى أبى العلاء المعرى)، ومن الأسباب(غير الموضوعية)نفسها دبر له أهلها سفرا إلى فرنسا، يدرس من جديد فى(السوربون) ...
كان هناك قبله الدرعمى النابه معالى الدكتور(أحمد ضيف)، ولأن ذلك الدرعمى رفض بإباء شديد إملاءات السوربون عليه عاش حياته كلها بعد عودته منبوذا، لا يحصل على شىء من منصب، أو مال، أو نفخات كواذب كالذى أغرقوا به طاها ... !
هناك فى باريس حصل طاها على ديبلومة فى(تاريخ اللاتين)، ومنحوه دكتوراه فى(الاجتماع والأنثروبولوجى)عن دراسة له فى(ابن خلدون) ...
المتوقع الطبيعى بعد عودته أن يعمل فى حقل الأنثروبولوجى، لكن ذلك لم يحدث لحظة واحدة، هم يعلمون أن مستواه فيها أضعف من أن يعمل فيها. هو لم يكتشف مثلا ما تقر به مصادرهم من أن فريناندو قد استجمع عددا كبيرا من(النساخ)، يعيدون له كتابة ابن خلدون مغيرين فى جميع النسخ(المستجدة)كل(العرب)إلى(البربر)معدمين النسخ الأصول، وما زال الناس يتداولون المزورات على أنها أصول ... !
ولما عاد إلى الجامعة المصرية اشتغل فترة فى(تخصص التاريخ اللاتينى)؛ ذلك هو(تخصصه)الذى به جاء قبوله للعمل فى الجامعة ...
ثم فجأة، ومن دون(أسباب موضوعية)صيروه أستاذا فى(الأدب العربى)، وهو الذى لم يدرس منه شيئا ذا بال سوى صحائفه فى(أبى العلاء)، ومؤخرا أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب تلك(الصحائف)، عنوانها(تجديد ذكرى أبى العلاء)، وحين طالعتها لم أجد فيها سوى(نتف)عن المعرى، لا رابط بينها، لو قدمها لنا تلميذ فى الليسانس لما قبلنا منه مستواها ...
النقطتان الأهم فى تلك المسيرة كلها؛ أولاهما(بضع الليالى)التى عاشها طاها فى مزرعة القس الكاثولوكى الماسونى الصهيونى(بريسو)، يتلقى فى كل ليلة كوكبة من(الشروط)؛ حتى يمكنه الحصول على الزواج من(ابنة بريسو)المسماة(سوزان) ... !
وأخراهما ما اختاروه له من(أساطين الإلحاد)، يعلمونه(بالأمر)ما(يجب)عليه تنفيذه فور عودته إلى القاهرة، وقد نفذ كما يريدون، فرفعوه أستاذا من التاريخ، إلى الأدب العربى، إلى عمادة كلية الآداب، إلى وزير المعارف، إلى عضو البرلمان، إلى(عميد الأدب العربى) ...
منذ أكثر من ربع قرن كنت قد التهمت جميع ما نشره باسمه طاها، سواء فى كتب، أم فى مقالات، وأشهد أن(جميع ما قرأته له)لم أجد فيه أدنى درجة من درجات(الابتكار)التى هى(شرط لائحى)فى أى ترقية فى العمل الجامعى، لم أجد سوى(تكرار ممل)فى كل صفحة، و(أخطاء متنوعة)فى تكوين الجملة العربية، تخلو جميع أعماله من أية درجة من درجات(الإمتاع)، أو(الإدهاش)، أو(نقل المعرفة)، أو ... ، لم يضف شيئا مهما إلى ذاكرتى ... ! وإنما أصاب وجدانى بمقادير من الإفساد ...
فإذا أضفنا إلى ذلك ما اقترفه ضد أدبنا العربى من(تهمة الانتحال فلابد أن نتذكر أنه كان منفذا ما أمره به شيخه الملحد الصهيو نى(مارجليوث)الذى على اسمه اليوم مستوطنة فى شمال فلسطين اعترافا بما أسداه إلى دولة الخنازير ...
وكذلك ما أمره به شيخه الماسونى(نلينو)منتجا إجرامه ضد عقيدتنا ...
إن للتوراة أن تحدثنا ما شاء لها الحديث عن إبراهيم وإسماعيل، وإن للإنجيل كذلك أن يحدثنا ما شاء له الحديث عن إبراهيم وإسماعيل، وإن للقرآن أيضا أن يحدثنا ماشاء له الحديث عن إبراهيم وإسماعيل ... ، لكن ذلك كله(لا يكفى لإثبات وجودهما تاريخيا فى هذه الحياة ... ! بل إنه أنكر ذهاب إبراهيم إلى مكة بابنه إسماعيل ... ! ذلك حتما يحقق هدف(مارجليوث)فى أن وجود(العرب)لا جذور له فى الحجاز، وأنهم هناك طارئون، وأن الوجود التاريخى هناك لليهود فقط ... !
حديثه الشائك عن النبيين الكريمين الأخوين(إسماعيل)، وإسحق)مشككا فى من منهما(الذبيح)، ومثبتا بينهما ما ينتج علاقة(أبناء العمومة)بين العرب ويهود، وأن نبينا الخاتم كان هو الذى سعى إلى توطيد العلاقة معهم؛ ليكونوا ردءا له ضد قبائل العرب(المشركين)
اتهامه الشعر الجاهلى بأنه(قد اصطنعه شعراء مسلمون؛ كل منهم أراد إثبات أن له جدا كان شاعرا مجيدا قبل الإسلام)، تلك النقطة وحدها(فيما يسمى قضية الانتحال)كافية فى تصور القرآن الكريم كلاما بلا جذور فى العربية، بل كافية فى نفى قيمة الإعجاز فى القرآن الكريم.
وتنسب المصادر إليه أبياتا(صريحة الإلحاد، صريحة الماسونية)، وهى فنيا فى منتهى(الضعف)، ولغويا فى منتهى(الركاكة)، وفكريا تكرر دعاوى الاستشراق ضد عقيدتنا، بل ضد ربنا فى علاه، وعروضيا(عديمة النغم)؛ لأنه أصلا كان متكرر الرسوب فى علم العروض فى الأزهر الشريف ... !
كنت أظن أنك المضلُّ * وأنك تهدى من تشاءْ
الضار المقيتُ المذلُّ * عن صلف وعن كبرياءْ
جبار البأس تُـكِنُّ * للناس مكرا ودهاءْ
تقـطع أيادى السارقين * وترجم أجساد النساء
تـقيم بالسيف عدلا * فـعدلك فى سفك الدماء
فيا خالق القاتلين قُـلْ * لى أين هو إله الضعفاءْ
لوكنت خـالـق الكل ما * حرمت بعضهم البقاءْ
وما عساك من القــتل تجْنى غير الهدم والفناءْ
فهل كنت أعبـد جـزارا * يسحق أكباد الأبـرياءْ
أم كنت أعبد شيطانا * أرسل إلينا بخاتم الأنبياء
حسبتُ الجنة للمجاهدين * سيسكن فيها الأقوياءْ
تمْرٌ وعِنبٌ وتينٌ * وأنهار خمرٍ للأتـقياءْ
خير ملاذ لجائعين عاشوا فى قلب الصحراء
وأسِرَّةٌ من ياقوت ثمين * وحور تصدح بالغناء
نحن عاشقات المؤمنين * جئنا ولبينا النداءْ
جزاكم الله بنا فانـظروا * كيف أحسن الله الجزاءْ
هل جنتك كفاحٌ وصياحٌ وإيلاجٌ دون انثناء
تجدد الحور الثيب بكرا * وأنت من تقوم بالرفاءْ
هل كنت أعبدُ قوادا * يلهو فى عقول الأغبياء
أم كنت أعبد شيطانا * أَرْسل إلينا بخاتم الأنبياء
فى عنفوان نفوذه انتشر عنه هذا(الإلحاد الصريح)، ولم ينكره، لم يتبرأ منه، لم يتعامل قضائيا مع من نسبها إليه، بما ينتج حتما أنها له، أو على الأقل هو راض عن نسبتها إليه، أو قل هو(مضطر إلى الصمت فى هذا الشأن)للأسباب غير الموضوعية نفسها ... !
ثم إنه فى(تثليثه)أصناف الكلام فى العربية؛ (شعر)، و(نثر)، و(قرآن)نجده يضع كلام الله فى الرتبة(بعد الصنفين)، وفى ذلك إلماح إن لم يكن تصريحا بأنها قيمة القرآن عنده
نعم فى مقابل ذلك أدى فريضة الحج فى صيف ١٩٥٥م، وتخبرنا المصادر بأنه قصد المشى(حافيا)فى المدينة المنورة، وأنه(صام عن التحدث)مع أى شخص هناك إلى أن صار خارج حدود المدينة حتى بدأ بالتحدث مع مرافقيه معلنا أنه ينفذ قول ربنا:
[يا أَيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تَرْفَعوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِى وَلا تَجْهَروا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ].
نعم طبعا له مؤلفاته فى الجانب الدينى؛ (على هامش السيرة)مثلا، إنما حتى فى هذه نجد فكره فى(الفتنة الكبرى)يتهم عددا من الصحابة بما لا يليق ...
السؤال الملح منذ أكثر كن ربع قرن فى عقلى ...
ما الأسباب(غير الموضوعية)التى أنتجت لنا(ضخما)من(لا شىء) ؟
بل كيف(لهذا)أن يوسد(عمادة الأدب العربى)كله بجميع صنوفعده، وفى جميع أصقاعه من الماء إلى الماء، لا سيما فى وجود(أساطين الأدب)من شوقى إلى حافظ إلى العقاد إلى الى الرافعى إلى المنفلوطى إلى ...
فنيا تشيل كفة طاها بجميع نتاجه فى مقابل الكفة الأخرى حاوية رسالة واحدة من(حديث القمر)، أو من(رسائل الأحزان)التى أرسل كلا منها إلى(مى)، وعشوائيا أختار رسالته(زجاجة العطر):
«يا زجاجة العطر:
اذهبى إليها، وتعطرى بمس يديها، وكونى رسالة قلبى لديها، وها أنا ذا أنثر القبلات على جوانبك، فمتى لمسَتْك فضعى قُبلتى على بَنانها، والقَيْها خُفْيةً ظاهرةً فى مثل حُنُوِّ نظرتِها وحنانِها، وأَلمِسيها من تلك القُبلاتِ معانىَ أفراحِها فى قلبى، ومعانىَ أشجانِها، وها أنا ذا أصافِحُك، فمتى أخذَتْك فى يدها فكونى لمسةَ الأشواقِ، وها أنا ذا أَضمُّكِ إلى قلبى، فمتى فتحَتْكِ فانثُرى عليها فى معانى العطر لمساتِ العِناق».
لكن طاها فى رداءته لا يعجبه التبر المنسبك فى لسان الرافعى؛ نشرت(مجلة المقتطف)لطاها قالته البذيئة:
(نظلم الرافعى إذا قلنا إنه يَشُقُّ على نفسه فى الكتابة والتأليف، بل أنت تُنصِفُه إذا قلت إنه ينحت من صخر، إن كل جملة من هذا الكتاب تبعث فى نفسى شعورا قويا مؤلما بأن الكاتب يلدها ولادة، وهو يقاسى من هذه الولادة ما تقاسى الأم من آلام الوضع).
ويعلن(الرافعى)اشتعال المعركة، واحتدام لهيبها بالرد عنيفا على(طاها)فى(مجلة السياسة الأسبوعية)، من ذلك:
(الأستاذ الفهامة الدكتور طه حسين:
يسلم عليك المتنبى، ويقول لك:
وكم من عائب قولا صحيحا
وآفته من الفهم السقيمِ
قرأت ـ يا سيدى ـ ما كتبته عن(رسائل الأحزان)؛ مما(أتسمَّح)فى تسميته(نقدا)، وألممتَ بالغاية التى أجريت لها كلامك، وما كان يخفى علىَّ أن:
فى الحق ما يسمى(تعسفا)،
وفى النقد ما يدعى(تهجما)،
وفى المنطق ما يعرف(بالمغالطة)،
وفى كل صناعة ما هو(انتحال)، و(دعوى)، و(تلفيق).
وانطلق الرافعى من هذه المقدمة الحادة الساخرة إلى التصريح بالهجوم على كتابات(طه حسين)فى(تاريخ الأدب)قائلا:
" أفلا تسأل نفسك"
لِمَ لم تعجبنى كل الفصول التى كتبتها فى الأدب وتاريخه،
وأنت تتخبط منذ سنين، وتكتب كل أسبوع مرة،
فإن سألتها فهل تستخرج من ذلك إلا أن هذه الفصول هى فى رأيى(خلط مخلوط)،
تركب فيها الشطط، ثم تعتسف الطريق، ثم تضع التاريخ كما تخلقه أنت، لا كما خلقه الله، وتصول على الأموات الذين لا يملكون دفعا، ولا ردا، ولا حوارا، ولا جوابا"
طاها فى أثناء عضويته بمجمع الخالدين تبجح ضد العربية داعيا جهارا نهارا إلى ما لم يجرؤ عليه عتاة المستشرقين؛ دعا إلى ترك(الألف المقصورة)، قال نكتب:
مشا فلان يمشى
سعا فلان يسعا
نعم طبعا لم يترك له(الدراعيم)متكأ، إنما الواضح فى دعواه أنه ليس سوى(ببغاء)المستشرقين الملحدين ضد عربيتنا وأدبنا وعقيدتنا ...
من هذا(الطاها) ... !