’’ يجذبك الشاعر الناقد المصري الدكتور صابر عبد الدايم يونس بلغته الشاعرة التي تُضفى على خطابه الشعري والنقدي سحرًا خاصًا ،ومذاقًا عربيًا ، يشعرك بأنه يُقدِّمُ تجاربَ إنسانيةً خالدةً ، ورؤى نقدية تسعى أول ما تسعى لإقرار نظرية نقدية عربية ، لإبداع عربي متميز، يجب أن يحلق دائمًا في سماوات الإبداع العالمي ، لاسيما وقد جاء ت تجاربه من رحم منبر علمي عالمي تشبعت أركانه بأريج البلاغة والبيان ، وتزيّنت بالفكر الوسطي المستنير؛ إنه أزهر الدين والدنيا ، الذي رشّحه مؤخرًا لجائزة الدولة التقديرية في الآداب ‘‘ .
ولعل أول ما يلفت النظر في شخصية الدكتورصابرعبدالدايم الذي يُغْري ويغوي من يقرأ له ، أنهالشاعر/ الناقد/ المسلم/ الملتزم/ الموهوب/ المحافظ،الذي لم ينبهر بالجديد الغربي، وبخاصة ما يخالفمنه عقيدتنا، ويعلنُ- في سفورٍ- القطيعةَ، والعداءَلأصولنا/ تراثنا، ثائرًا علي تقاليدنا. فنراه وقد خطلنفسه خطًا مستقيمًا لم يحدْ عنه يومًا، ولا يكادينحرف يمينًا أو يسارًا، أو غربًا أو كونًا ، ولميتشَيَّع لمذهبٍ بعينه من المذاهب المادية الواهية، وإننهل من معين النقاد القدامى كما ظهر من نتاجه النقدي الذي اتّسم بالاعتدال والتوافق ، والتكامل ، والعقلانية ، بعيدًا عن الضلال والانحراف ، أو التخبط والاضطراب في الأحكام .
فهو كأي أزْهري أصيل، يُجِلّ كِتابَ ربّه، ومِنْهُينطلق. حيث أنعم عليه ربُّه بحفظ آياته في سنمبكرة، " فهذّب مشاعره، ورقق حواشيه، وغذي عقلهووجدانه، وكان له أثر بَيّن في تفجير ينابيع شاعريته،وتفتق براعم عبقريته وتوهج قريحته وبيانه ".
ولا عجب في ذلك " وقد كان ـ القرآن الكريم ـ عاملًا هامًا في نشأة النقد العربي وتطوره، لا يمكن تجاهله،ولا إنكار أثره، ذلك أنه نص عربي فريد رائع، وأنه معجزة النبي "صلي الله عليه وسلم" القولية، وكان مدار اهتمام علماء العربية، يتدارسون أسلوبه،ويحاولون الوصول إلي أسرار روعته البلاغية ، التي أفادت النقد في ميادينه المختلفة . فقد أثار – منذ اللحظات الأولى لنزوله- حركةً فكرية عند العرب،ودعاهم إلى الالتفات إليه، لما جاء به من جديد في أساليب التعبير والبيان، وعلقت أفئدتهم وأسماعهم بما جمع من كلام رائع، فلم يسعهم إزاءه إلا التسليم بروعة أثره في النفوس، وفي العقول " .
ولعُ عميد العربية وناقدها الجهبذ بتراث أمّته ..
وفارسنا الأزهري مولع بتراثه الإنسانيّ الخالد،متيم برموزه، محتف بإبداعه شعرًا ونقدًا، حيث قرأ الموروث النقدي العربي بوعي واهتمام، وهضم مقوماته، واستوعبها جيدا. ومن ثم لم يكن غريبًا أن يلجأ في درسه النقدي كثيرًا إلي الثقافة النحوية،ويجعلها أساسًا في مشروعه النقدي، عبر التركيب الدلالي للجملة الشعرية. وهو الذي نشأ وترعرع في الأزهر، واستوعب كثيرًا من كتب النحو مثل: "همعالهوامع" للسيوطي، و"مغني اللبيب لابن هشام،و"الخصائص" لابن جني ،وغيرها من كتب التراث التي تدخل في نطاق الدراسات الأسلوبية، والتي اتصلت بالنص الأدبي كثيرًا عند الدكتور صابر في نقده. وهو توجه أسلوبي وبنيوي لأستاذنا قدْ أفدنا منه كثيرًا في حياتنا المعاصرة ..
إضافة إلي تشبعه بالأصول النقدية التي جاءت في كتب: "طبقات فحول الشعراء" لابن سلام الجمحي، "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ، "العمدة" لابن رشيق القيروان ، "الموازنة" للآمدي ، "نقد الشعر" لقدامة بن جعفر ، "الوساطة" للقاضي الجرجاني ، "عيار الشعر" لابن طباطبا العلوي ،"الدلائل والأسرار" للإمام عبد القاهر، وغيرهم ممن حرص الدكتور صابر على الإفادة من مقاييسهم النقدية إصغاءً منه لنصيحة الجاحظ للأديب والناقد بضرورة " الأخذ من كل علم بطرف". وهو ما نراهجليا في درسه النقدي. حيث يحتفي بالقديم، وينطلقمن منابعه مؤتنسًا-أيضا- بالحديث ورواده منالنقاد.
ولا يكتفي بذلك، فنراه يأتنس في درسه النقديبعلم النفس، والتاريخ، وعلوم البلاغة، وعلوم اللغة فيفقهها ،وأصواتها ،وموسيقاها ،متفردًا في هذا الباببما نراه في كتابه الرائد "موسيقا الشعر العربيبين الثبات والتطور". وليس هذا وحسب، بل نراهيأتنس بالرسم ،وبعلوم التصوير الفوتوغرافي، وكذلكالفن التشكيلي والنحت، ولغة النقد السينمائيأحيانا. وهو ما يفسر وقفته النقدية حول "تعانقالفنون ". فالرجل يعي ويُدرك تماما تلك " الوحدة بينالمعارف الإنسانية؛ والتي تنبثق من نسيج الحياةالجديدة، والعلاقات المتطورة بين البشر" .
فلسفته في مشروعه النقدي ..
وهو غير مُغيَّب عن واقعه وعصره، فرأيناه وقد فتح عقله وقلبه لكل جديد في مجتمعه، حلوه ومُرِّه، جدِّه وهزْله، نهضته وكبوته، معاركه ومدارسه، واتجاهاته،ومشاربه، ثم يقف وقفة حق وموضوعية ليغذي عقله المتفتح بما يفيده في مرحلة الاستقلال الذاتي لمشروعه النقدي، ومشهده العام. فلم يكتف بصوتٍ نقديٍّ بعينه، ولم يقتصر علي صوت أزهري دون غيره، بل أخذ من كل بستان أندى زهوره، ليتميز. فانفتح علي العقاد، واستوعب رؤاه النقدية، وأعجب كثيرًا بنقده لشوقي، وبخاصة عند حديثه عن الصورة، وقرأ مصطفي السحرتي، ومحمد النويهي،ومحمد خلف الله أحمد في نقدهم النفسي، وتأثر بالدكتور محمد مندور في ميله للمنهج اللغوي عند دراسة النص الأدبي، وضرورة الإلمام بتاريخ اللغة وصلتها بالفكر، والذي جاء متأثرا في ذلك المنحي بالمستشرقين "لانسون" و"أنطوان ماييه" في "منهج البحث في الأدب واللغة " و"علم اللسان" للأخير،وهو توجه أسلوبي، ومنهج لغوي جاء واضحًا في مشروع الدكتور صابر عبدالدايم الشعري والنقدي ، والذي ضمّنه هذه الوثيقة الخالدة، التي قال فيها :
"وظفت أدبي وفني لعقيدتي ولأمتي أولًا،وللإنسانية في عالمها الأرحب، وإيماني فيتقدم هذه الأمة وتطور حضارتها، وإيماني الكامل أنْ تتطور كل الشعوب وتتقدم لأننا أمة (إنسانية الفكر والضمير)، أما النقد فأنا ضد كل تقليد وصنعة، وأريد التطور والأصالة في العمل.." ، وكذلك علاماته النقدية التي أبدعها ، ومنها:
•الأرض والوطن.. بؤرة عالمي الشعريّ حتّى فيالتجارب الذاتية.. يصبح الهاجس الذاتي دمًا فيشريان الأرض، ووشمًا على صدر الوطن .
•القصيدة.. كما أُبْدعها.. سَفَرٌ في سنبلات الزمن.. عناقٌ في موسم العودة.. مرايا تتكسّر أمام زهرةالنار.. إيقاع الزمن القادم.. إشراقاتٌ من سِفْرالتكوين والنبوءة، قراءةٌ في دفتر العشق، تشكيلٌصوتيٌ للحزن الغائر في أغوار النفس، استدعاءُالماضي المقمر حين تغيم الأفاق، وتنضب أنهارالعشق .
• إن التراث العربي والإسلامي حياة زاخرة.. مفعمةبالتجارب الثرية والدلالات الحضارية .
•أخشى ما أخشاه أن يجفّ الإيقاع الشعري فيشرايين الشعراء. وأن تتحول القصيدة إلى تراكيبنثرية جوفاء .
صابرعبدالدايم الشاعر الناقد ..
وبشيء من التوضيح أريد القول: بأن "الشاعرأقدر علي النقد من غير الشاعر، فإنه لا يُحسن نقدالشعر إلا من دُفع إلي مضايقه، كما قال البحتري ،وأئمة النقد في الجاهلية كانوا من أكابر الشعراء ،وفي مقدمتهم النابغة الذبياني قاضي قضاة الشعرفي عكاظ ، وطرفة بن العبد وغيرهم . وبعد أن أصبحالنقد فنا له مقومات العلم مارسه الشعراء وغيرالشعراء، وبقي للناقد الشاعر مكانة بين النقاد، كمابقيت للشاعر الموهوب "صابر عبد الدايم" مكانتهالنقدية في المشهد النقدي العربي اليوم؛ فهو أعرفمن غيره بضعف الشعر وقوته، وصدقه وكذبه،وأسرار تجاربه وعوالمه ، ومؤلفاته النقدية تبوحبالكثير من رؤاه النقدية التي أبرزت دوره في تأصيلحركة النقد العربي الحديث ، منها :
- التجربة الإبداعية في ضوء النقد الحديث .
- محمود حسن إسماعيل بين الأصالة والمعاصرة .
- آفاق النص الشعري ، فنون الأدب المعاصر ، أدبالمهجر .
- الأدب المقارن بين التراث والمعاصرة .
- الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق .
- موسيقا الشعر العربي بين الثبات والتطور .
اهتمام محلّي وعالمي بشخصية الدكتورصابرعبدالدايم ..
من هذه المكانة جاء ترشيح مجلس جامعة الأزهر له هذا العام لجائزة الدولة التقديرية في الآداب ،ومن قبل ظفر بتقدير المحافل والمؤسسات العلمية والأكاديمية، والمنتديات الدولية لشخصيته الفريدة المتميزة، حيث اختصّته كلية اللغة العربية بالمنصورة فرع جامعة الأزهر ببحث أكاديمي عُنون له بـ"صابر عبدالدايم شاعرا" وكذلك كلية اللغة العربية بدمنهور،احتفت به ناقدا في رسالة للدكتوراه عن "الشعراء النقاد في العصر الحديث" وجاء الدكتور "صابر عبد الدايم" على رأسهم؛ لينظم اسمه في عِقد طليعة الشعراء النقاد في العصر الحديث أمثال: الشيخ حسن المرصفي، وخليل مطران، وعباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازني، وعبد الرحمن شكري، والدكتور أحمد زكي أبو شادي، والشاعر الناقد أحمد الزين، وميخائيل نعيمة ، وغيرهم كُثر.
ولم يقف التقدير بناقدنا عند هذا الحد، فقد رُشّحلجائزة مبارك عام 2004م مع الدكاترة النقاد: عزالدين إسماعيل، شوقي ضيف، أحمد هيكل. وأرىأن هذا التقدير يبرز وبصورة مضيئة مشرقة حينمانتذكره ناقدًا ،محاورًا ،مواجهًا في المنتديات العالمية : في "الجنادرية" بالعربية السعودية عام 1994م، وهوالعام الذي واجه فيه بكل شجاعة اليساري المصريلطفي الخولي، حينما رفع صوته هناك بأن: الإسلامعقيدة شعبية، تصدي له الدكتور صابر في حضورالشيخ القرضاوي، ود/االغذامي، ود/ عبد السلامالمسدي . ثم عام 2003م، والذي واجه فيه المستشرقالألماني مراد هوفمان، الذي تجنّى علي المفكر المسلم.
وكذلك تحليقه في تركيا عام 1994م أيضا.. رافعالواء الأدب الإسلامي، وبيان موقفه من القضاياوالمذاهب النقدية الحديثة، وعاد من هناك برائعتهالشعرية...مطولته "القبو الزجاجي" رسالة إلي" محمد الفاتح ، ومشاركته في مؤتمر النقد الأول الذيعُقِد في المملكة العربية السعودية عام 2006م،ومؤتمرات أخرى عديدة آخرها مؤتمر ماليزيا عام2007م حول التراث العربي والإسلامي والمعاصرة..
وكلها أسفار تضاف إلي مشاركاته النقديةبالحوار أو التحدث شخصيا في فضائيات عربية : كالإخبارية السعودية ،وحديثة عن النتاج النقدي منخلال الأدب المهجري وخصائصه، المنار اللبنانية،والتي اختصها بحديث عن النقد والعولمة، التلفزيونالجزائري، وحلقات عن الأدب العربي وتحولات النقدالمعاصر. وقناة المجد الني شارك فيها الدكتور حامد أبو أحمد الحديث عن الأدب الإسلامي بين أنصاره ومعارضيه، والقناة الثانية المصرية مع "فاروق شوشة" في برنامجه "أمسية ثقافية" وهي أمسية أحاطت بالنتاج النقدي والشعري للدكتور صابر،وحلّقت في سماوات مشهده النقدي بخاصة . وقناةالقدس الفضائية بدمشق ،والتي اختصته بأن يكونضيفًا عليها في شهر يونيو سنة 2008م، لتسجيلحلقات خاصة عن فلسطين في الأدب العربيالمعاصر.. الرواية أنموذجا ، وعن القدس في الشعرالمعاصر، وأدب المقاومة... سماته ورواده. إلي جانب لقاءاته النقدية علي القنوات المصرية المحلية: الثالثة والرابعة والسادسة، وكذلك إذاعة القرآن الكريم المصرية التي اختصها مؤخرًا بحلقات عديدة حول جماليات القرآن الكريم، ، والمجددون في الإسلام ،وحلقاته عن الإمام الأكبر فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب ، وجماليات الحديث النبوي الشريف ،وهو مشروع بدأه في شهر رمضان عام 1428هـ علي قناة البركة الفضائية ،ثم اختصه إذاعة القرآن الكريم في حلقات يومية.
شاعرالأزهر المسافر دائمًا – في سنبلات الزمن ..
ينضاف إلي ما سبق ،موهبته الشاعرة الناقدة،المطبوعة المحلّقة. والتي كانت في مقدمة العواملالتي جعلت منه الشاعر الفارس... شاعر الأزهر"المسافر- دائما – في سنبلات الزمن" ( ديوانه الشعري الذي أصدره عام 1982م ) ، بغيةاستشراف مستقبل آمل تليد لأمته عبر القصيدةالتي شكلت آفاقًا كبيرة من عقله، ووجدانه، ورؤاه ، حيث ارتقى بالقصيد العربيّ الأصيل إلي أسمى منازل الشّاعرية الحقّة ، فحلّق شرقًا وغربًا ، عابرًا خارطة الوطن العربي ؛ من الجامعة المُستنصرية ببغداد ، ومن قبلها أم القرى ،والسودان ، إلي مهرجان الهند للشعر العربي ، لِيكرّم القصيد العربي هناك من أكاديمية التميّز بالهند ، والمركز الثقافي العربي الهندي بالجامعة المليّة الإسلامية بنيودلهي ، وقسم اللغة العربية بجامعة مولانا آزادالأردية الوطنية بحيدر آباد ،ثمّ إلي( دُرّة الشرق .. ماليزيا )،فجمهورية كازاخستان ، وأندونيسيا ، ثمّ هذا التحوّل الحضاري في الإبداع العربي الذيجسّدته مُذَهَبتُه الفريدة التي أبدعا في تركيا " القبو الزجاجي .. رسالةٌ إلي محمد الفاتح " قائد الفتوح الإسلامية في البلقان. وهذه الموهبة – الشعر الذي عَدّه قضيّة حياته الكبرى - هي أيضا التي خلقتمنه ناقدًا واعيًا بأهمية تراثه في حاضره ومستقبله،ومدركًا لقيمته في صقل إبداعه المتنوع شعرًا ونقدًا،ودوره الرئيس في سمو ملكته المبدعة، وسلامة لغته،والابتعاد بها عن التبذل، والركاكة الأسلوبية ،مدركادور هذا التراث في تأصيل حركة النقد العربيالحديث، فتمثلَهُ جيدًا في حياته، وعايشه معايشةتامةً أبرزت رهافة إحساسه، وصدق موهبته،وعناصر النضج الفني والأصالة التي جعلها شغلهالشاغل في مشروعه النقدي جنبًا إلي جنب مع الشعر.
تفرّد شاعر الأزهر في سماء القصيد العربي..
ولا يخفي علي أحد أنَّ تفرد الدكتور صابر عبدالدايم في سماء القصيد العربي اليوم ، كما تشهدالمحافل الدولية التي يمثل فيها مصر/ الأزهرالشريف ، وخبرته بتحولاته المعاصرة، وتنوع أشكاله،وتعدد رؤاه وبنائه - وهو الشاعر المطبوع الذي يمورالشعر في وجدانه، ويجري في دمائه، لا يتكلفه ،ولايفتعله ، به بدأ حياته حينما جاء إلي هذه الدنيا فيصحبته، واستمر معه في حِلِّه وترحاله، وما زاليتعاطاه بعشق وتبتل صوفيين - قد أضاف ذلكلدرسه النقدي تميزًا، وكثيرًا من الحيوية والتجدد،مما يحتاجه النقد العربي المعاصر في حاضرنا.
فجاء شاعرنا مُبدعًا مُنصِفًا ، مُخلِصًا للقصيدة العربية ، غير ثائر على تطورها ، وتحوّلاتها وأشكالها الفنية ، فرأيناه يكتب لها العمودية التراثية الأصيلة ،والتفعيلة المعاصرة دون أنْ يُميّز شكلًا للقصيدة العربية على شكل ، بل كتب الشّكلين انطلاقًا من تفاعيل الخليل بن أحمد – باقتدارٍ وبراعةٍ يصعب على الناقد حيال ذلك أنْ يتّهمه بالتّعصّبِ لِشكلٍ على شكلٍ ، أو بالخروج على أُصول الشعر العربي .
والذي يُطالع أبعاد التجربة في شعر الدكتور صابر عبدالدايم يتلمّسُ الحريّة التي تمتّع بها شاعرنا في انفتاحه المُطلق ،المُتَماوج ،المُتحرك ،بل التّام على الزّمن دون
تحديد ، " بحكم أنّ الزمن يسيرُ في اتّجاه واحد " ، مِمّا أعطاه عُمقًا في تجاربه ، وفيضًا في معانيه ، وتلوينًا مُتباينًا في مشاعره ، وأفكاره . وهو ما يصعب على المكان فعله في روح الشاعر ، وروح قصيده ، لاسيّما المكان المُحدّد بشخصياتٍ بعينها ، ووقائع تاريخية معلومة ، لذلك ترى – بوضوح – المجدَالإسلاميَّ بواقعه المشرق / المنتصر ، هو الزمنُالذي توقّف عنده شاعرُنا ، وعدّهُ نُقطةَ انطلاقِه في جُلّ تجاربه ، وحدًّا زمنيًا بين عَالَمَيْن : الوجود الإسلامي ، ثمّ التّراجع في واقعنا ، والذي عزف على آلامه منذ زمن بعيد وَلّى ، أمام مدخل القرن الواحد والعشرين ، وذلك في قصيدته التي كتبها في عام 1972م ، وفازت بجائزة الشعر الأولى بجامعة الأزهر في العام نفسه ، وفازت بميدالية الشعر الفصيح في المسابقة القومية التي نظّمتها وزارة الثقافة المصرية عام 1974م ، وطبعت في ديوانه : الحُلم والسّفر والتّحول ، عام 1983م .
وقد كان الوجع الذي نقل الكثير منه ديوانه " العمر والريح " الذي جاء في خمسٍ وأربعين تجربة شعرية متوهجة ، متألمة آسية ، ينطلق أكثرها من هَمٍّ إسلامي سيطر على خطابه الشعري الملتزم كما عوّدنا دائمًا في إبداعه الشعري ، وكذلك النقدي ، يستشرف فيه – وفي جُلّ قصائد أعماله الشعرية الكاملة ذات المجلدات الثلاثة – يستشرف مُستقبلًا آملًا ، عزيزًا مجيدًا ، تليدًا لأمّته التي جاءت أيّامها مُرتعشة ، مُبعثرة ، مُحاصرة ، اضطرت للسّفر في سنبلات الزمن المصادرة ، بينما شاعرنا أراه يُسافربتجاربه الملحمية المطولة نحو " أمير الفقراء عمر بن عبدالعزيز ،والعهدة العمرية ،والشهيد والسلام الذبيح ،كل ذلك في رحاب ( أشواق حجازية الإيقاع ) إيمانًا منه – وهو الذي جاء إلي الدنيا من عباءة الأزهر الشريف – بمدائن الفجر، حيث " يُطلّ ( أحمد ) في يديه الآيُ والذّكر الحكيم " . من وطن الأزهر الذي ما زال يحمل لواء الإسلام الوسطي ، والفكر المستنير ، والأخوة الإنسانية منذ أكثر من عشرة قرون .. مصر المحروسة .