الأربعاء 03 يوليو 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي


   عندما ترى الأعورَ يمسك بيد الأعمى معتقدا أنه أحسن حالا، وترى الأعمى يمسك بيد الأعور مبديا سعادته بهذه الصحبة لأنه وجد من يقوده في الطريق، فهو يري بعينه العوراء ، مستحسنا ما يستحسنه، ومستقبحا ما يستقبحه، والأعور سعيد بهذه الصحبة؛ لأنه يرى فيها نفسه قائدا وناصحا وهاديا للأعمى.
  لكن العور ليس كمالا؛ لأنه رؤيةٌ للأشياء بعين واحدة، ولو صحِب الأعمى مبصرا لكان أسعد حالا من صحبة الأعور، ولو كان الأعور مخلصا لأخبر الأعمى بعوره، ونصحه بصحبة مبصر ، لكن الأعمى لا يرى عوَر الأعور، ولا الأعور يعترف بأنه دون المبصر.
 أقول هذا لأنك تجد كثيرا من الناس يقارن علمه القليل بأفكار الجهلة، ويقابل عمله المحدود بنوم الكسالى، فيرى نفسه بتلك المقارنة عالما عاملا، وما درى أنه أفقر الناس وأحوجهم إلى التعلم وبذل الجهد.
 فإذا كنت ذكيا نشيطا فإياك وصحبة الأغبياء والكُسالى الذين لا طموح لهم، لأن صحبتَهم تقيِّدُ همتك، وتشُلُّ طموحك، وتورثك الغرور بذكائك ونشاطك، وتستر عنك آفاقا من المجد كان يمكن أن تحلق فيها لو صحِبْتَ الأذكياء المجتهدين . 
 إن القرآن عندما استفهم قائلا :" هَلۡ يَسۡتَوِي ٱلَّذِينَ يَعۡلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَۗ"؟؟ الزمر/9، لم يُرِدْ للاستفهام جوابا؛ لأنه معلوم .
   بل أراد استنهاض الهمم، وإلْهاب العزائم كي تُحلِّقَ في آفاق المجد والكمال بأجنحة الجد والاجتهاد والمثابرة وقوة العزيمة. 
  فإذا كنت أعمى فصاحب مبصرا، وإن كنت مبصرا فصاحب من هو أحد منك بصرا، ولا تقْنَع من المجد بالقليل ما دمت قادرا على التحليق ليس إلى السماء فحسب، بل إلى ما فوق السماء.
   وقل في نفسك ما قاله النابغةُ الجعدي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم : 
                أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ إِذْ جاءَ بالهُدَى * ويَتْلُــو كتاباً كـالمَجَرَّةِ نـــَيِّرَا
                بـَلَغَنا السَّماءَ مَجْدُنــا وجُدُوَدُنا * وإِنَّا لنَرْجُو فَوْقَ ذلك مَـظْهَرا
 أي: مُرْتقًى وعلوًّا، فقال له ـ صلى الله عليه وسلم:" إلى أين يا أبا ليلى" ؟ قال: إلى الجنة يا رسول الله ، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن شاء الله ".

 وإياك أن تقول في نفسِك: ولَّى شبابي، لكن قل :
          ما شابَ عزمي ولا حزمي ولا خلُقي * ولا وفــائي ولا ديــــــــني ولا كــــــرمي 
         وإنما اعتاض رأسي غيرَ صبغتـــــه * والشّيبُ في الرأس دون الشّيب في الهمم 
    فإن كنت أعمى فصاحب مبصرا، وإن كنت مبصرا فلا تصاحب أعورا، بل صاحب من هو أحد منك بصرا .
صاحب من يُنْهِض ويُلْهِب عزيمتَك حالُه.
صاحب من يدلك على الخير وعلى المجد وعلى الله مقالُه.
           اللهم إنا نعوذ بك من العجز والكسل، وفتور الهمم، وصحبة الخاملين.
                       حفظ الله بلادنا من كل مكروه وسوء.
 

تم نسخ الرابط