لا حرج في أن يكون لك خليل، لأنه لا يمكنك الاستغناء عن ذلك، لكن عليك أن تعيَ أن الخليل شيءٌ والصديقَ شيء آخر.
فالخليل: الملازم الذي لا يخفى عنه شيء من أمورِك، سُمِّيَ خليلا لتمام محبته، وصفاء مودته التي تخالط نفسَك، وتنفذُ إلى قلبك. يُقال تخلَّلَ أي: نفذ وثقب وخالط.
وما اصطفى الله إبراهيم ـ عليه السلام ـ خليلا إلا لأن محبته لله قد تخللت نفسَه، وخالطت كل ذرة في جسدِه، فتخلَّقَ بأخلاق الله، وهكذا تكون الخُلَّة،وهكذا يكون الخليل ذكرا كان أم أنثى.
لذا نبهنا رسول الله صلى عليه وسلم قائلا: " الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ " سنن أبي داود/4835
أي:على عادته وطبْعه وطريقته، فالطباع سرَّاقة، والنفوس مجبولة على التَّشَبُّهِ والاقتداء من حيث لا تدري. فوجب التأمُّل بعين البصيرة إلى من يروم خُلَّتَك، والتساؤل:هل ترضى خُلقَه؟ هل تروقُك طباعه؟
والعاقل لما كان من سماته: أنه يعتبر بما يرى ويسمع، كان أوْلَى الأحوال بالاعتبار ما أنبأنا بها الحق سبحانه في قوله:" وَيَوۡمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيۡهِ يَقُولُ يَٰلَيۡتَنِي ٱتَّخَذۡتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلٗا. يَٰوَيۡلَتَىٰ لَيۡتَنِي لَمۡ أَتَّخِذۡ فُلَانًا خَلِيلٗا.لَّقَدۡ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكۡرِ بَعۡدَ إِذۡ جَآءَنِيۗ وَكَانَ ٱلشَّيۡطَٰنُ لِلۡإِنسَٰنِ خَذُولٗا "الفرقان/29:27
إنها حالُ إنسان ظلم نفسه باتخاذه خليلَ سوءٍ جعلَ مشورتَه نصْحا ، فهو يتحسر متمنيا أن لو لم يتخذه خليلا، ويندم أشد الندم لأنه لم يضع خُلَّتَه حيث يجبُ أن تكون.
الحق والصواب
لقد أضله عن الحق والصواب، ونأى به بعيدا عن الاستقامة والصلاح، وهذا هو أشد الخذلان، يكون من خليل السوء، يكون من الشيطان. فهل ترضى لنفسك خليلا كهذا؟
إنه انقلاب بين متبوعين يتبرؤون من التابعين، ويتمنى التابعون أن يعودوا إلى الدنيا جميعا كي يتبرؤوا من المتبوعين.أنبأنا بها الحق لينظر كلٌّ منا منْ يخاللْ ؟
فيقول:" وَلَوۡ يَرَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ إِذۡ يَرَوۡنَ ٱلۡعَذَابَ أَنَّ ٱلۡقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعٗا وَأَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعَذَابِ.إِذۡ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ وَتَقَطَّعَتۡ بِهِمُ ٱلۡأَسۡبَابُ.وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ لَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةٗ فَنَتَبَرَّأَ مِنۡهُمۡ كَمَا تَبَرَّءُواْ مِنَّاۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ ٱللَّهُ أَعۡمَٰلَهُمۡ حَسَرَٰتٍ عَلَيۡهِمۡۖ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ" البقرة/167:166
يحدث هذا حال رؤيتهم العذاب، وإدراكِهم خيبةَ الأمل، وبوارَ السعي وانعدامَ الشفيع، واستحالة الأمانيِّ .
وتلك محاورة أخرى أمام الحق تكون بين العوام الضعفاء والسادةِ الذين كانوا يتخذون الكبر لهم شعارا، يقصُّها علينا القرآن الكريم قائلا :"وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ"إبراهيم/21
إنهم جميعا ـ جزِعُوا أم صبروا ـ لا نجاة لهم.
يحدث هذا يوم القيامة إلا بين المتقين، استثناهم الحق ـ سبحانه ـ من ذلك فقال:" ٱلۡأَخِلَّآءُ يَوۡمَئِذِۭ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلۡمُتَّقِينَ "الزخرف/67
لأنهم ما كانوا أخلاء إلا باشتراكهم في محبته، وتعاونِهم على خدمته، إلا لأنهم أحبوا الحق ونبذوا الباطل، إلا لأنهم تعاونوا على البر وتحاضُّوا على التقوى.
فاستحقوا أن يناديَهم الحق قائلا: " يَٰعِبَادِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ "الزخرف/68 تطمينا لهم،لأنهم يشاهدون ما يعامل به الأخلاء المتعادون.
ألا يحضك هذا على مراجعة نفسٍك؟ ويدفعُك إلى النظر في خُوَيِّصًةِ من تخالل قبل فوات الوقت ؟؟
جنبنا الله وإياكم وأبناءنا وأبناءكم أخلاء الغي والضلال ، وحفظ بلادنا من مكروه وسوء
[email protected]