لا أظنّ أنّ مسلمًا غيورًا على دينه وعرضه ومجتمعه يرضى بما نراه اليوم من حولنا ؛من تراجع الأخلاق في كثير من معاملاتنا الحياتية ؛من التاجر الذي لم يتق الله في خَلْقِ الله ،من المُعلم الذي لم يعترف بمكانته الجليلة التي قال بها معلم الإنسانية (صلّى الله عليه وسلّم ) " إنّما بُعِثْتُ مُعلّمًا " ،من الطبيب الذي يتعامل مع مريضه على أنه حالة من حالات تجاربه العلمية والاقتصادية ؛غافلًا الأخوة الإنسانية والرحمة والتطبّب ( الطبطبة )على المريض ، من الكاتب الذي يكتب لنفسه ولشهرته ،ونسي أنّ الكلمة أمانة ،من الفنان الذي تفحّش في القول والفعل دون أن يقدّم فنّا يرقى بمجتمعه ،من الأديب المبدع الذي ألقى بقيم (الالتزام ،والصدق الفني، والإبداع الرسالة /القضية ) في سلّة ذاكرته منشغلًا في كل (هَرْتَلَتِهِ ) بالتطاول على المُقدّس ،أو الثورة على الأصيل لينال شهرة الأعرابي الخَرِف الذي بال في بئر زمزم حتى يضمن شهرةً أبدية ،جاهلًا حقيقة هذا الفعل القبيح دنيا وآخرة ،من الداعية المسلم في منصّاتنا الإعلامية والدعوية ؛والذي تحوّل إلى (جُوكر/ بِلْياَتشُو) ونسي أنه داعية إلى الله ،من أستاذ الجامعة الذي فَقَدَ هيبته ،ووَقَاره ،وعلميته ،فخنع أمام طلابه وطالباته ،حتى فقدوا القدوة والمثل والأنموذج ،فأضلّت الكثرة منهم السبيل ،وأساءوا الفهم الصحيح للفضيلة والأخلاق ،وضاع علم المحروسة في المعاصرة بين ( الواسطة وهزّ الوِسسْط ) !!! ..
أعني كلّ ما سبق وزيادة مِمّا أفزعني بعد رؤيتي لمقابر الأخلاق وقد حاصرتني في كل مكان ؛ممّا نواجهه بالكلمة الطيبة / بالحُسنى / " بالتي هي أحسن " / بالفضيلة ، بالصبر ، بكل ما جاء في الوحيين الشريفين ،مّما يحتاجه المسلم في حاضره بصورة ضرورية ومُلحّة ، فباتّباعهما والتزام ما فيهما من قيم وأخلاق حميدة يرضى الله عنّا ،ويتحقق الفضل الربّاني برضا الناس عنّا ، والرضا بأنفسنا ، وتكون السعادة في الدنيا وفي الآخرة . روى مالك بن أنس ، عن النبي (صلّى الله عليه وسلّم ) أنه قال : " تركتُ فيكم أَمْرَيْنِ لن تَضِلُّوا ما تَمَسَّكْتُمْ بهما : كتابَ اللهِ وسُنَّةَ نبيِّهِ " . وما رواه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – أنّ النبيّ (صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ) قال : " إنَّ الشيطانَ قد يَئِسَ أن يُعبَدَ بأرضِكم ، و لكن رضِيَ أن يُطاعَ فيما سِوى ذلك مما تُحاقِرون من أعمالِكم ، فاحْذَروا ،إني قد تركتُ فيكم ما إن اعتصمتُم به فلن تَضِلُّوا أبدًا ، كتابَ اللهِ ، و سُنَّةَ نبيِّه " (صلّى الله عليه وسلّم ).
ولأنّ الأمل في عافية الأمة في كل مناحي حياتها معقود على بعث الأخلاق الحميدة في حياتنا ، لاسيّما والأخلاق ثابتة حتى عند تغيّر الزمان والمكان - كان هذا الطرح للأخلاق قولًا وعملًا وفعلًا وعبادةً وحياةً. والأخلاقُ : جمعُ خُلُق ،والخُلُقُ ،بضمّ اللام وسُكونها : كما جاء في لسان العرب لابن منظور المصري :هو الدِّينُ والطّبعُ والسّجِيّةُ ،وحقيقته :أنّه لِصُورةِ الإنسانِ الباطنية ،وهيَ نفسه ،وأوصافها ،ومعَانيهَا المختصة بها ،بمنزلة الخَلْقِ لِصُورَتِه الظاهرةِ ،وأوصافِها ،ومعانيها ،ولهما أوصافٌ حسنة وقبيحةٌ .
وعلّق في لسان العرب على هذا التعريف بقوله : والثواب والعقاب يتعلّقان بأوصاف الصّورة الباطنةِ أكثر مِمّا يتَعلَّقان بأوصاف الصورةِ الظاهرةِ ، ولهذا تكررت الأحاديث في مدحِ حُسْن الخُلُقِ في غيرِ موضعٍ .كقول النبي (صلّى الله عليه وسلّم )فيما رواه أبو هريرة : " أتدرونَ ما أكثرُ ما يُدخلُ الناسُ النارَ ؟ قالوا : اللهُ ورسولهُ أعلم ، قال : فإنّ أكثر ما يُدخلُ الناسُ النارَ الأجوفانِ : الفرجُ والفمُ ، أتدرونَ ما أكثرُ ما يُدخلُ الناسُ الجنّةَ ؟ قالوا : اللهُ ورسولهُ أعلمُ ، قال : فإن أكثرَ ما يُدخلُ الناسُ الجنةَ تَقْوى اللهِ وحُسْنُ الخلقِ " .
وقوله (صلّى الله عليه وسلّم ) فيما رواه أبو هريرة : " أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا وخيارُكم خيارُكم لأهلِه " ، وقوله (صلّى الله عليه وسلّم ) فيما روته أمّ المؤمنين السيدة عائشة – رضي الله عنها - : " إن المؤمنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درجةَ الصائمِ القائمِ " . وقوله ( صلّى الله عليه وسلّم ) : " إنما بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مكارمَ و في روايةٍ ( صالحَ ) الأخلاقِ " ، اللهمّ كما أحسنتَ خَلقنا حَسّن أخلاقنا يا أكرم مسؤول يا رب .