الأحد 29 سبتمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

تظل مسألةُ تجديدِ الخطاب الديني فكرة بلا مضمون، ودعوة بلا هدف، وصيحةً في أرض فضاء ليس لها مُستمِعٌ، ولا مجيب !

ويرجع سببُ ذلك لعدم وضوح المنهج، وافتقار المنوط بهم تجديد هذا الخطاب للفقه والعلم، وهو ما يجعل ذلك الهدفَ أمرا محالا، وحُلما بعيدَ المنال؛ إذ إنّ فاقدَ الشيء لا يُعطيه، وكيف يستقيم الظل والعودُ أعوج ؟

ولا أعني بذلك أنني أضع كلَّ الدعاة والمفكرين في سلة واحدة، أو أنني أرميهم بقوس واحدة، وأصفهم بالجهل، وعدم الفقه، وهذا الفهم الخاطئ ممن يظن ذلك، هو هراء، واستنتاج لا صحة له، إذ إن الأمة لا تُعدم مُفكريها الحاذقين، وعلماءها النابهين، لكنهم - بكل أسف قليل - ومن ثم فأثرُهم لا تبدو للناظرين معالمُه، إذ تشوهه الكثرةُ الكثيرة قليلة الفهم عديمة الفقه، التي عمت بها البلوي، واتسع معها الخرقُ علي الراقع، وصاروا في كل وادٍ يهيمون، فأتاحوا - بسبب سلبيتهم، وتقوقعهم في عباءة الجهل - الفرصة للتغريبيين، والظلاميين أن يتسورا المحراب، وينشروا فكرهم العفن، وخرافاتهم التي يشيبُ لها الولدان، وتضع بسببها كلُّ ذات حَملٍ حملها .

فخرج من هؤلاء العلمانيين صفٌ ثان، ينادي بـ(المُساكنة)، وتعني أن يُعايشَ الرجلُ المرأة معايشة الأزواج؛ لتكون هناك فرصةٌ للاختبار قبل عقد الزواج وتوثيقه . 

و لا شك أنهم يقصدون من وراء ذلك نشرَ الخنا، ومدّ مظلة الزنا بعد إلباسه ثوبا براقا، ينخدع به العامة، وأصحاب المآرب الشيطانية، الذين يريدون دينا بلا ضبط ولا ربط، تضيع فيه التكاليف، وتنهدم الثوابت، وتنفك عُراها عروة وراء عروة .

وأؤكد أنه أتاح الفرصة لهؤلاء المُخرفين - ممن طالبوا بالمُساكنة، واتهموا المتمسك بالتراث بالرجعية الدينية، و تطاولوا علي كبار الصحابة، وأئمة الإسلام، وغيرها الكثير من الضلالات - غفلةُ العديد من رجال الدين، وانشغالهم بخلافاتهم الشخصية علي حساب قضيتهم الكبري، وهي الحفاظ علي بيضة الدين وصون حماه .

فركبَ بعضُهم موجة الشطط، واعتبر الواحدُ من هؤلاء نفسه وحيدَ دهره، وفريدَ زمانه، وأنه هو المجدد، الذي يبعثه الله علي رأس كل مائة عام؛ ليجدد للأمة دينها، فرمي بقية إخوانه بالجهل المركب، وسعى يتصيدُ أخطاءهم، وينشر زلّاتهم، فنشر بين العوام بلبلة، وهو يظن أنه يُحسن صنعا، وهدفه الخبيث من وراء ذلك أن يرفعه الناس فوق الرءوس باعتباره العالم، الذي لم تأتِ به ولادة !

إنّ تتبع زلات العلماء - يا سادة - مشكلة كبرى، تُفسدُ أكثر مما تصلح، وتطعن الدين بخنجر صدئ، يُخلفُ جرحا لا يندمل .

ما يُحاك للإسلام، ويُدبر له بليل، يحتاجُ للمّ الشمل، ومواجهة حالات التشرذم والتشظي بين علماء الأمة ومفكريها .

مواجهة تلك الحملة المسعورة، تحتاجُ إلى أن يتسلح الدعاةُ والوعّاظ بالعلم والفقه؛ ليزداد ثباتُهم علي منابر الدعوة، وينشروا العلم النافع بدلا من ( الهبد )، الذي نراه رأي العين، ونستمع إليه في خطب الجمعة .

مواجهة الأزمة تتطلب أن نتفق جميعا علي أنه كلُّ يُؤخذُ من قوله ويُرد، وأن الحقّ واحد، بينما الصحيح متعدد، مادام يستند إلي تأويل صحيح وفهم سليم .

مواجهة الأزمة تُحتم إقصاء (الأنا)، وتغليبَ روح الفريق؛ لأن الإسلام يواجه حربا شرسة، تتطلب يقظة جنوده، وأن يظل سلاحُهم (صاحي)، وإلا فستكون العواقبُ وخيمة دنيا وآخرة .

[email protected]

تم نسخ الرابط