ads
الثلاثاء 14 يناير 2025
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

الغرب الصليبي يبحث اليوم بعد فشله في الفتنة بين المسلمين والنصارى في مصر، على مبعث آخر وشطرين آخرين يمكن أن يشتعل بينهما نار تأكل البلاد، وتأكل تلاحمها وتضامنها، فما السبيل وما الطريق ياترى؟

لقد كانت آخر تلك المناجزات والمناحرات التي صارت اليوم للرائي من أبشع الصور التي تأكل حيوية الأمة..  ذلك الصراع بين أبناء الصحوة المتدينة او ما يسمى بالخصومة بين الأشاعرة والسلفية، هذا يبطل عقيدة هذا وهذا يكفر عقيدة ذاك.

وصار كل من الطرفين وأتباعهما، يضع الآخر في خصومة معلنة، لا يمكن ابدا ان يستقيما على خط واحد او يجمعهما ميدان واحد.. الصوفي أو الاشعري ينظر إلى السلفي على أنه ضال منحرف متشدد مكفر، والسلفي ينظر للأشعري على أنه مبتدع ضال منكر ليس من أهل السنة في شيء.

وليت الحرب بينهما دارت بين التلاميذ بعيدا عن محاريب الشيوخ والعلماء الذين يفترض ان تكون لهم حكمة ولين وبصيرة تجعل مصلحة الأمة فوق كل اعتبار، ولكن للأسف خرج اليوم ومن شيوخ الطائفتين من انجر في أتون التضليل والتفسيق والإبطال والإخراج والتخاصم الفاجر مع الفرق الأخرى.

فماذا نجني اليوم.. ؟ الأشاعرة يحرمون كتب السلفية ويجرمون أي باحث منهم يستشهد بها، والسلفية تصب جام غضبها على أي متحدث ينطق بلفظ لأشعري ويتهمونه باتباع الضلال والانحراف العقدي.

وهكذا تتمزق الأمة وبين من وعلى يد من؟

على يد المتدينين الذين يفترض أنهم أكثر الناس بعثا على الوحدة والتلاحم.. ولكن يا حسرتاه على ما مني به المتدينين من عصبية مقيتة وتحزب مُمزق.

في جامعة أم القرى وهي معقل السلفية بالمملكة العربية السعودية، كان يدرس فيها أئمة الأزهر وشيوخه الذين هم أشاعرة، واحتضنت اكبر داعية أشعري صوفي في أروقتها معاهدها العلمية وهو الشيخ محمد الشعراوي، ورأيت مؤخرًا باحثة سعودية تأخذ رسالتها الجامعية في العلامة الداعية الدكتور محمود عمارة وأثره في الدعوة، والذي يفترض أن يكون أشعريا، لم يمنعوا او يتحرجوا في هذا القبول.. وكنا نظن أن التشدد والتعنت والتفرق يأتي على يد السلفيين، لكن الأيام أظهرت ان الأزهر اليوم ومن فيه من بعض الرموز الدينية، هم أشد تعنتا وتشددا في موقفهم من التيار السلفي، إذ يحرمون ويجرمون أي تواجد له في جامعة الأزهر.

والحق يقال: ان هذا التعنت والتشدد يعود إلى حقد وغيرة دفينة، لأن التيار السلفي اكتسح الشارع وصارت له جماهيرية تفوق أثر الازهر ودعاته، بل ساقته الجماهيرية الكاسحة ان يكون له انتصار سياسي وحزبي في يوم مضى.

الأزهر اليوم يريد استعادة مكانته وحضوره الدعوي، وبدلا من الجد والاجتهاد، لجأ إلى نوع من القمع والخصومة ليسد الابواب على التيار السلفي، وربما يشهد تصاعدا أكثر في الايام القادمة خاصة بعد سيطرة التصوف على وزارة الاوقاف. 

ولا يخفى علينا ابدا ان العداء بين الاشعرية والسلفيين ليس على ما يبدو ويظهر، بل الخصومة الحقيقية التي يؤجج أوار نارها ويتخفون وراء الكواليس فيها هم الصوفية الذين يرفعون رايات الاشعرية كحجة للخصومة مع السلفية، فهم يعلمون ان المنهج الصوفي في أكثره وليس كله محل انتقاد ومخالفات شرعية ظاهرة، فماذا يفعلون؟

لابد من دثار آخر تتزيا به الصوفية في حربها مع السلفية، فتبنت السجال الأشعري، حتى تستطيع من هذا التبني ان تقود الأزهر كله في وجه السلفية، وقد قام أحد المسؤولين الدينيين الأزهريين مؤخرًا فأعلن أن الأزهري أشعري صوفي وإن رغمت أنوف، مما دعا بعض أعضاء هيئة  كبار العلماء ان يرده ويوبخ قوله ويظهر ما فيه من انحراف ظاهر، فليس شرطا أن يكون الأزهري أشعري أو صوفي فهناك أزهري سلفي وغيره من التوجهات.

ولقد قرأت مرة في تاريخ الفرق عن نزاع هائل وخلاف كبير بين الأشعرية والصوفية، أي انهما لم يكونا على وئام فيما مضى، بل بينهما اختلافات في بعض مسائل العقيدة. 

وأنا هنا لست سلفيا لمن يظن إنني أتعاطف مع السلفيين، ولكنني كاتب أرصد الوضع والموقف واتأمل الأحداث.. وفي ذات الوقت لا أحارب الصوفية او أذم المعتدل منها، لكنني منزعج جدا لهذا التوجه المنفر الذي يشق الصفوف ويفرق بين أبناء الصف الواحد.. وأجزم أن كل من زعم انتسابه للدين وطوائفه الدعوية، ثم يعمل على بعث وإزكاء هذا العداء فإنه متجرد من الفهم والحكمة والوعي الذي عليه يقوم نجاح الدعوة وإثمارها.

تم نسخ الرابط