الفيس بوك في اليومين الأخيرين يضج بدعوات الشفاء للعالم السلفي الشهير ابو إسحاق الحويني، وما لمسته أن غير المنتسبين للتيار كذلك مشغولون بالدعوات له.
والحقيقة أن الشيخ الحويني بالخصوص، له قبول في العلم والفكر عن غيره من شيوخ التيار السلفي، خاصة في فتراته الأخيره ومراحله المستحدثة التي أظهر فيها مدى قبوله للآخر المختلف عنه، وأحاديثه التي شهدت اعترافات بما أعلن انه تراجع عن كثير مما كانت تأخذه به حماسة الشباب، وأن غير طريقته في النقد والتناول بما يخدم الدعوة والعلم.
وأنت فعلا في سماعك للحويني في صدر ظهوره ليس هو الحويني الذي نراه الآن، فقد كان قديمًا يتكلم في العلم، وهو ممسك بشرط وسكين يجرح به كل من حوله من العلماء ممن ليسوا على منهجه.. لكنه اليوم شيء مختلف ومتزن ومرن ولين.
والتخلي عن التجريح مما شاعت به فتراته الأولى، جعل لديه قبولا ممن كانوا يرفضونه بالأمس، وصار في نظر الكثيرين رمزًا للاعتدال والاتزان بعد فترات التشنج والرمي.
ويبقى السؤال الملح.
هل يدرك أبناء التيار السلفي مسحة هذا التغير عند الشيخ، أم انهم فقدوا فيه الحماسة التي عهدوها عليه قديمًا والتجريح الذي درج عليه ويتنمون الحنين إليه؟
منذ فترة استعمت إلى الشيخ وهو يروي مشواره القرائي مع الأدب العربي ورموزه ورواياته، وهو منحى وعر شجاع لا يقوى على الحديث فيه إلا رجل شجاع، لأن هذا النمط من الثقافات عند بعض -وأقول بعض- الفئات السلفية منكر وزور وباطل وهدر للوقت.
لكن الشيخ بهذا الحديث على الجانب الآخر قد استمال كثيرًا من الثقافات والعقول الأخرى وانفتح عليها بما يحبونها.
الشيخ الحويني أخيرًا يسير على منهج الاعتدال.. المنهج الذي يجمع ولا يفرق، يؤلف ولا ينفر، يقرب ولا يبعد.. ولا أقصد بكلمة تجديد الخطابتجديد المنطوق من حيث المنهج والفكر وإنما أقصد بالتجديد في الإجراء والسلوك وطريقة الطرح التي اختلفت كثيرا عما مضى والتي شهد عليها بواقعه ولسانه، والتي لها من الأهمية القصوى في خدمة الدعوة وتوحيد الصف الديني.
وقد استمعت إليه في شرحه لكتاب صيد الخاطر للإمام ابن الجوزي، فأكد على ضرورة هذا الحديث الذي قد لا يروق للبعض سماعه وسماه (مدرسة الحياة)، وذكر أن علم مصطلح الحديث من علوم الآلات التي تُقسي القلب، شأنه شأن علوم الآلات وقد كان من علماء الأصول من لا يصلي، فلابد إذن لطالب العلم أن يهتم بقلبه.
ويذكر الحويني أن صيد الخاطر كتبه ابن الجوزي بقلم رشيق.. أي بقلم أدبي رشيق
والشيخ الحويني في شرحه لصيد الخاطر يوضح منهجه الجديد الذي بدا به وظهر عليه في سنواته الأخيرة، والذي يقوم كما ذكرت على التجميع لا التفريق، ووأد الخصومة والعداوة بين الأشباه والأماثل، والدليل على هذا أول ما بدأ به من شرحه لهذا الكتاب وهو قول ابن الجوزي : "اعلم أن المظاهرة بالعداوة قد تجلب أذىً من حيث لا يعلم؛ لأن المظاهرة بالعداوة كشاهر السيف ينتظر مضرباً، وقد يلوح منه مضربٌ خفيٌّ وإن اجتهد المتدرِّع في ستر نفسه، في غتنمه ذلك العدو.
فينبغي لمن عاش في الدنيا أن يجتهد في أن لا يظاهر بالعداوة أحداً؛ لما بيَّنْتُ من وقوع احتياج الخلق بعضهم إلى بعض وإقدار بعضهم على ضرر بعض،وهذا فصل مفيد، تبين فائدته للإنسان مع تقلب الزمان."
إنه يتحدث عن الحكمة في معاملة الناس ويذكر أن الطيش سرة كل شر، والحكمة وجماعها الحلم والعلم هي مصدر كل خير، كثير من العداوات الموجودة بين الناس كان يمكن أن تزال بكلمة طيبة، كان يمكن أن تظهر ببذل الندى مهما كان قليلا، لكن الحمق والطيش وحظ النفس والتحدي هو الذي جعل العداوة بين الناس كالهواء الذي يتنفسه الناس"
وهنا نحاول أن نستدعي كلام الشيخ الحويني وتعقيبه على حال الشيخ الشعراوي، كداعم قوي لما نريد الالتفات إليه يقول الحويني:
" حينما كنت شابا كنت جامدا و الأمور عندي ليس لها إلا وجه واحد لا وجهين، وكنت أرى الشيخ الشعراوي يفسر تفسير الأشاعرة، ولا أقبل كثيرًا مما يقول ، فكنت أتكلم ولا أصمت وأنتقد خشية أن ينتشر كلام الشيخ بين العوام وهو خطأ، وبعد ما كبرت وعقلت، وطول العمر يعطي مزيدًا من العقل، فرأيت أنه ليس من المصلحة أن أنتقد رجلا مشهورا عند العوام حتى لا يتجنى الناس عليك، فقلت ليس من الحكمة أن أفعل هذا، بل إذا قال صوابا أقوله، وإذا قال خطأ ألجأ إليه أو إلى أحد قريب منه وابلغه ذلك ما استطعت، ثم بدى لي خطأي في كلامي مباشرة وهو ليس من الحكمة، وإنما أتكلم عن الفكرة وحدها ولا أمس الأشخاص."
ثم يقول الحويني وهو مما لابد من ذكره وقوله هنا حتى يتأدب كثير من أبناء السلفية مع العلماء والشيوخ الذين يخالفون منهجهم يقول الحويني عن الشيخ الشعراوي:
" الشيخ الشعراوي رحمه الله رجل مسموع الكلمة ومضت شهرته في الأمة وجعل الله له لسانًا في الناس يترحمون عليه وهو أهل لذلك رحمه الله رحمة واسعة"
أرأيت أيها المتشنج
رحمه الله رحمة واسعة
وهو أهل لذلك.