ads
الأربعاء 18 ديسمبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

تعقد بالعاصمة السعودية الرياض القمة العربية الإسلامية الطارئة غدا في أجواء عربية وإسلامية غير مسبوقة، ووسط تحديات غير عادية، وتغيرات إقليمية ودولية مصيرية، ونظام عالمي يعاد تشكيلة، ودول عربية تواجه حرب إبادة فاقت كل طاقات التحمل والاستيعاب، وشعوب عربية ومسلمة تتوق لأن ترى فعلا يشفي صدورها، وأن تتخطى نتائج القمم العربية والإسلامية أُطر الشجب والإدانة، وأن يستشعر جميع قادة العرب والمسلمين مصيرية اللحظة التاريخية التي نعيشها جميعاً، والتي بات من غير المشكوك فيه، أن تخطي صعابها لن يكون إلا بوحدتنا في مواجهة أعداء الأمة، اللذين كشفوا عن أقبح مما حملته خيالاتنا، وارتكبوا جرائم يندى لها جبين كل إنسان حر فضلا عن العربي المسلم.

وإذا كانت تلك هي الظروف الراهنة التي نعيشها بعد 400  يوماً من اندلاع أعنف حرب تطهير عرقي شهدتها البشرية في العصر الحديث، فإن الآمال المعقودة على القمة لتتجلي وفق أطر في غاية الأهمية يأتي على رأسها، ضرورة الوقف الفوري والكامل لإطلاق النار في كامل الجبهات الساخنة في الشرق الأوسط، وطرح سبل للحل العاجل لكل ما يرتبط بالأزمة وفقاً للتواصل مع الأطراف الفاعلة وفي إطار من التفاهم مع الإدارة الأمريكية الجديدة، خاصة وأن المسرح في الشرق الأوسط يتأهب لما يمكن أن يطرحه ترامب لحل الأزمة التي وظف نتنياهو فيها "عام البطة العرجاء" والانتخابات الأمريكية على أسوأ ما يمكن، وكذا يترقب العالم العربي والإسلامي اختراقاً حقيقيا واقعيا لحالات الفشل والجمود في المشهد الدولي الذي استبق أحداث طوفان الأقصى، والذي كان سببا رئيسيا في اندلاع الأحداث اعتراضاً على التطبيع المجاني الذي اعتبرته قوى المقاومة أنه مثل تجاوزاً عربيا للقضية الفلسطينية، وأنه كان عليه أن يلفت انتباه العالم من جديد لقضيته، ورغم كل ما حدث من دمار دفع متخذو قرار الطوفان أعمارهم ومن قبلها كل مقدراتهم ثمناً له، إلا أن الذاكرة خلدت فعلهم بإكبار تأبى العقول تخطيه، رغم كل ما جرى من دمار لم يكن في الحسبان.

إن القمة العربية الإسلامية، حال صدُقَت وخَلُصَت النوايا، فإنه يمكن أن نخرج منها بقرار تقوم عليه مصر والسعودية وإيران وتركيا والإمارات وقطر والأردن بشكل أصيل يمثل مبادرة عربية إسلامية للسلام الكامل والحل العادل وطرح حل الدولتين على حدود 1967م، بشكل يضع للحرب أوزارها، وتتشكل معه إرادات مخلصة صادقة مؤمنة بوحدة مصائرنا، وصعوبة واقعنا، وأن النظام العالمي الذي يتشكل من جديد لن نستطيع أن نكون جزءاً من أركانه إلا إذا نجحنا أولاً في حل أزمتنا الكبرى وقضيتنا العالقة منذ عقود بعيدة.

إن الأزمة حقا ليست في غزة ولبنان، بل إن الأزمة الحقيقية في الهوان الذي نعيشه، فلا تأثير ولا قدرة على الحل، ولا ميزان لنا أمام عدو يسعى ليل نهار للنيل منا جميعاً، يفترس النساء والأطفال في غزة، يقضي على قوى المقاومة التي كانت تزود عن القضية حتى أنهك قواها، وما استمرت إلا بقدرة من الله، رغم صعوبة المأساة التي جعلت السنوار يستشهد بعد ثلاثة أيام بدون أكل، فما حال باقي رجاله، إن قضية العرب الأولى كانت وستبقى القضية الفلسطينية، قضية كرامة كل عربي ومسلم وإنسان حر على وجه الأرض، وأعتقد أن التعامل معها عربياً وإسلامياً في ظل التغير الدراماتيكي الذي شهدته أمريكا، سيجعل لنا كعرب وكمسلمين سبلا للحل مع رئيس يجيد فن الصفقات السياسية، وأن التفاهم معه على صعوبته سيأتي بنتائج مختلفة عن الإدارة المنتهية ولايتها .. فهل تتحقق الآمال المنعقدة على القمة الاستثنائية في الظرف الاستثنائي أم تبقى شعوبنا وقضايانا تائهة مفعول بها من كل محتل غاصب.

إن الفرصة على صعوبتها لسانحة وبقوة لأن يضمن العرب لهم ركناً قوياً مهابا في أركان النظام العالمي الجديد، لكن ذلك يبقى رهن بإرادتنا السياسية مجتمعة، فضلاً عن إجادة القدرة على الاستمرار في علاقة قوية ومتوازنة مع أطراف النظام العالمي الجديد، والذي حسنا فعلت مصر والسعودية والإمارات للتعامل معه بقوة ودخلت مبكراً في إحدى دوائره الفاعلة المتمثلة في علاقات متوازنة بين الشرق والغرب وكذلك الاندماج في أهم مؤسساته ودعائمه المستقبلية المتمثلة في "البريكس" والتي تتسع دوائرها وتفاعلاتها عاماً بعد الآخر.

تم نسخ الرابط