في ظني دائماً أن "المناطق الشائكة" في التعامل مع قضايا العنف ضد المرأة هي التي تحمل في طياتها المشكلة والحل معاً وأن وقوفنا على مسافة دون تلك المناطق واحجامنا عن الخوض في غمارها يحجب عنا القدرة على حل المشكلات المطروحة والتي لا حسم لها بكل أسف .
فمن أراد الحل الجذري عليه أن يقتحم ذلك الحصن الذي أقمناه وشيدناه ثم بتنا عاجزين على اقتحامه أو حتى على تخطيه .
أولى هذه المشكلات هي ما يسمى "حق التأديب" وهو الحق الذي يستند إلى الآية الكريمة في سورة النساء:
"وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا"
تحت مظلة الفهم الخاطئ لهذه الآية نرتكب أبشع العدوان على المرأة من ضرب وإحداث العامة المستديمة والتعذيب والضرب المفضي إلى الموت ثم أخيراً إزهاق الروح وهذا الأمر ليس محل افتراض بل تجسده وقائع دامية تشهد عليه أوراق القضايا بكل ما تحمله من مأساة .
فقع الأعين وإحداث كسور بالغة مما يستدعي تدخلات جراحية وتعذيب بدني يحدث شللاً في بعض أعضاء الجسم ثم ضرب يفضي إلى الموت ثم القتل ذاته وكل هذا يحتمي بحق التأديب أو على الأقل بتجاوز حق التأديب .
هذا يحدث بينما كل ما تصنعه هو أننا نحدد حالات الضرب وشروطه وكيفيته والأداة المستخدمة فيه وأماكن الجسد التي مسوح أن تسقبله دون غيرها .
كل هذا يحدث دون أن يجرأ أحد على أن يقول لنا أن هذا الجزاء كان مناسباً لبيئة لم تعد صالحة له اليوم مع هذا البعد بين الناس وبين الأخلاق ومفهوم الدين الصحيح وإلا لما امتلأت أروقة المحاكم بهذا الكم من العنف الذي يوقع على المرأة بل وأن الأمر يصير أسوأ بكثير فيما لو تم الكشف عن الحجم الحقيقي لتلك الجرائم التي تختبأ تحت ستار التهديد والترهيب والخوف من الفضيحة وهو ما يسمى بالرقم الأسود حيث لا يرى المجتمع الرقم الحقيقي لتلك الجرائم لأنه يكون حينذاك مختبئاً تحت سطحه.
ختان الإناث . كيف نتصور وسط هذا التقدم المذهل في العلم أنه من الأمور الصحية ثم كيف نتخيل وسط هذا التقدم المعرفي للعلوم الإنسانية أنه وسيلة عفة للمرأة بينما العفة تحددها مفاهيم وسلوك وهو أمر أخلاقي وليس عن طريق قطع جزء من جسدها وهو أمر جراحي .
لماذا لا نسمع وبمنتهى القوة والوضوح من يقول لنا أن العلم له املاءاته وهو الفيصل الوحيد في كل ما يتعلق بالحقائق المنبثقة عنه وهو الذي يقول ما يصح وما لا يصح .
تزويج القاصرات وهن في سن الطفولة لا سيما في المناطق الريفية سواء كان ذلك في شمال مصر أم في جنوبها والذي أنتج لنا وبكل أسف صورة بشعة من صور جرائم العنف ضد المرأة وهي جريمة الاتجار بالبشر
ألا يستند إلى واقعة اختص بها الرسول صلى الله عليه وسلم وحده في زواجه بالسيدة عائشة دون أن ينسحب حكمها على غيره لأنها من الأحكام الخاصة به .
ثم من الذى قطع بأن سن السيدة عائشة كان عند هذا الحد الذي تتناوله كتب الفقه؟!
الأحاديث التي تتحدث عن أن الملائكة تبيت تلعن الزوجة التي لم تقدم نفسها للزوج ( طبعاً المقصود هو المعاشرة الجنسية) وتلك التي تتحدث عن تبجيل الزوج وأنه خليق بأن تسجد له الزوجة لولا أن هذا منهياً عنه .
هل وقفنا على صحة هذه الأحاديث وقوة سندها ونحن نعلم أن الأحاديث ليست على قوة سند واحدة وفيها الحسن والضعيف والموضوع .
لماذا نأتي عند طرف "المنطقة الشائكة" ثم تتسمر أقدامنا دون أن تتملكنا لحظة شجاعة واحدة .ندلف إليها ثم نفتش عن موضع المشكلة وسبل حلها .
نحن نفعل مثل طبيب لا يضع يده على موضع الداء ولا يستكشفه ثم لا يتوقف حديثه عن الدواء .
نحن نفعل مثل هذا تحديداً ومن أجل ذلك يظل الجسد متعباً لأنه لم يجد يد تمتد إلى موضع سقمه .
تناول جرائم العنف ضد المرأة تحتاج من يؤمن بحق بأن حلها الجذري رهين بأن ندلف إلى تلك المناطق الشائكة فيها ، بما نملكه من حجة وعلم ومفهوم صحيح للدين .
كان الإمام محمد عبده مبدعاً كالعادة عندما قال في شرح النشوز النساء أن صيغة الآية توحي بأن من شأنه ألا يقع منهن فعلاً ، بل أن الله عز وجل عبر عن النشوز التي حملته الآية الكريمة بعبارة تومئ إلى أن من شأنه ألا يقع لأنه خروج عن الأصل الذى يقوم به نظام الفطرة ، وتطيب به المعيشة . بينما فسر الطبري عبارة "واهجروهن" بمعنى قيدوهن وهى من هجر البعير إذا شده بالهجار وهو القيد الذى يقيد به.
والهجار فى اللغة: هو حبل يشد فى رجل الجمل ثم يشد به إلى خصره. أو هو القيد .
وشتان بين تفسير وتفسير وبين إمام وآخر .