ads
السبت 11 يناير 2025
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

صبري الموجي يكتب: العلّامة مُعتمِد سليمان كعبةُ الباحثين !

صبري الموجي
صبري الموجي

لم يكن اتصالي الهاتفي به لأستفسرَ عن إمكانية تسجيلي للماجستير تحت إشرافه سوي محاولة يائسة ضمن عددٍ من المحاولات، التي قُمتُ بها، ولم أرجعْ منها إلا بخُفي حُنين؛ لتطبيق مُعظم الجامعات نظامَ الساعات المعتمَدة، وهو ما لا يُتيح لي التسجيل؛ لحصولي على السنة التمهيدية وفق النظام القديم، فكان الرد يأتيني - كلما اتصلت بشئون الدراسات العليا بالعديد من الكليات - بأنّ اللوائح لا تسمح، فأُنهي المُكالمة، وقد تحجرت الدموع في عيني؛ حُزنا علي ضياع الفرصة، وذهاب مجهود عام دراسي كامل، راح فيه كثيرٌ من الوقت والجهد هباء منثورا.

كان صوتُ العلَّامة أ. د معتمد علي سليمان أستاذ الدراسات الإسلامية، عميد كلية الآداب بجامعة أسيوط مملوءا بالدفء، مصحوبا في الوقت نفسه - وهو الأهم - بالوقار، مزدانا  بعباراتٍ ومتلازمات لغوية، تدل علي أنني، وقعتُ علي أصولي من طرازٍ فريد، عالمٍ نحرير في الدراسات الإسلامية، مبعوثٍ من زمن الأولين، فاهمٍ لروح النص، غير متقوقع عند منطوقه اللفظي، عارف بمراميه ومقاصده.

سريعا اتفقنا علي العنوان، الذي ضاعتْ من أجل الاستقرارِ عليه مع أساتذة آخرين، سنتان أو أكثر دون جدوي؛ بحُجة أن العناوين قُتلت بحثا، وأنك لن تأتي فيها بجديد، وهو ما جعلني وللآن، أتمني أن تكون لي قوةٌ لأقتُل من قتلَها، وأدمر عليه بيته تدميرا ! 

والسؤال: ألم يعرف من ادعى كذبا أنّ العناوين قتلت بحثا أنّ الجدة، ليست وقفا على العنوان وحده، بل لها صور أخرى، منها جِدةُ التناول والنتائج، وجدةُ ربط البحث موضوع الدراسة بالواقع المعيش، وجدة الأسلوب، وغيرها من صور الجدة، التي تفتح آفاقا لمجال البحث والدرس، دون أن تُحجر واسعا؟!

وحيث إنه جمَعَ بين العلم والعمل، فكان علمُه خلقا وسلوكا، فقد يَسَرَ لي د. معتمد كلّ سبل الراحة، دون أن يشق علي، أو يكلفني من أمري عسرا، فوفر عليَّ مؤنة السفر من القاهرة إلى أسيوط؛ لإتمام إجراءات التسجيل، وتابع ذلك بنفسه رغم انشغالاته البحثية، ومحاضراته العلمية المتوالية؛ للنهوض بالدراسات الإسلامية، والتحبير والتصنيف في علومها وفنونها. 

تمت إجراءات التسجيل، وتاقت نفسي لرؤية هذا الجبل الأشم، والتضلع من معينه الصافي، فيممت وجهي شطر الصعيد الوسطاني للقائه، وتحقق ما صبت إليه نفسي، فألفيتني أمام عالم جدير بأنْ تقطع له أكبادُ إبل الباحثين الأميال والأميال؛ لجمعه بين كثرة التحصيل وروعة التطبيق. 

وفي جلسة كرم معهودة علي أبناء الصعيد، التقيتُه في مكتبه، فأتحفني بطيب محياه، وطعامه اللذيذ، الذي أضاف إلى رسوخ قدم العلم سخاء المُضيف! 

كان الحديثُ معه، رغم ضيق الوقت، دورة علم مكثفة، آثرت خلالها الصمتَ لأنعم بشلال من التأصيل والتنظير، يتدفقُ من فم العلامة معتمد سليمان حفظه الله، وأؤكد أنني عرفت خلال هذا اللقاء أن الرجل جعل همه الأكبر، إبراز المعاني الخفية وراء النص؛ ليبوحَ بخباياه، وكان - بحق- حجةً في المقاصد، وآية في معرفة المصالح المُرسَلة، دون تمييع للنص أو تضييع لمقاصده ومراميه.

لم يكن تمكُن د. مُعتمِد (بكسر الميم الثانية) كما يُحب أن يُنادَي - تواضعا منه -  وإن كنتُ أحبُ أن أناديه (مُعتمَد) بفتح الميم الثانية، إقرارًا بفضله عليّ بعد توفيق الله وتسديده.

أقول لم يكن تمكُنُه هذا مُنفصلا عن حسن إدارته، حيث أقر بذلك كلُّ من التقيتهم بحجرة مكتبه، والتي كانت أشبه بصومعة راهبٍ، تكدست على أرفف جدرانها عشراتُ الكتب والأبحاث، بيد أنه كان العميد الحازم بلا قسوة، السمح اللين من غيرِ ضَعف.

كان العلّامة د. معتمد ظاهرة تستحقُ الدراسة، فأوقفني البحثُ في سيرته على أنه كان الأول دائما على دفعته، منذ نعومة أظفاره، وكانت رسائلُه وأبحاثه العلمية، فيما بعد، حُججا ساطعات، وكواكب نيرات، استطاع من خلالها أن يُثبت أن نصوص الشرع ليست قوالبَ جامدة، بل هي أفعالٌ وسلوكيات معيشة.

صنف الرجل: " الحديث النبوي في تفسير التسهيل لعلوم التنزيل لابن جُزَيّ .. دراسة وتحليل"، و" الأحاديث الموضوعة في السنن الأربعة .. عرض ونقد" وغيرهما من كتبٍ نافعة، أهّلته لتولي العمادة رغم صغر سنه، وليكون خبيرا بقطاع الآداب بالمجلس الأعلي للجامعات، ومُحكِما باللجنة العلمية لترقية الأساتذة، ورئيس تحرير مجلة بحوث الدراسات الإسلامية وغيرها الكثير .

حفظ الله العلامة أ. د مُعتمِد علي سليمان وأدام على العالمين نفعه.

تم نسخ الرابط