ليلة النصف من شعبان فضلها ثابت مع الشيخ محمد عبد الخالق:

أكد الشيخ محمد عبد الخالق، الإمام والخطيب بوزارة الأوقاف المصرية وباحث الدكتوراه بجامعة الأزهر الشريف، على أهمية التمييز بين الحديث عن فضل ليلة النصف من شعبان وبين تخصيصها بعبادة معينة، مشيرًا إلى أن هناك أحاديث صحيحة وأخرى ضعيفة بشأن فضلها.

فضل ليلة النصف من شعبان

وردت عدة أحاديث في فضل هذه الليلة، منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف لا يُحتج به. ومن الأحاديث الصحيحة ما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه، أن رسول الله ﷺ قال:
"إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه" (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).

كما روى ابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: "إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن".

وأشار عطاء بن يسار إلى فضل هذه الليلة بقوله: "ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل من ليلة النصف من شعبان، يتنزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيغفر لعباده كلهم، إلا لمشرك أو مشاجر أو قاطع رحم".

وقد أكد العلماء أنه بناءً على هذه الأحاديث، يمكن القول بأن ليلة النصف من شعبان لها فضل عظيم، خاصة وأن شهر شعبان نفسه له مكانة خاصة، فقد روى النسائي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سأل النبي ﷺ: "لم أرك تصوم من شهر من الشهور، ما تصوم من شعبان؟" فقال: "ذاك شهر تغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم".

حكم تخصيص ليلة النصف من شعبان بعبادة معينة

قال الشيخ محمد عبد الخالق أنه لم يثبت عن النبي ﷺ أو الصحابة الكرام تخصيص هذه الليلة بعبادة معينة، سواء بصلاة مخصوصة أو دعاء معين. والدعاء الذي يردده بعض الناس أو يوزعونه مطبوعًا لا أصل له في السنة.

أما صيام يوم النصف من شعبان، فهو مشروع باعتباره ضمن الأيام البيض (13، 14، 15 من الشهر القمري)، وليس لفضل خاص بيوم النصف من شعبان تحديدًا، حيث إن الحديث الذي ينص على:
"إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلتها وصوموا يومها"
حديث موضوع لا يُحتج به.

كما أن ما يفعله بعض المسلمين من تخصيص صلاة معينة أو عدد محدد من الركعات في هذه الليلة يعد بدعة محدثة، إذ يقول الإمام النووي:
"الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب، وهي ثنتا عشرة ركعة تصلى بين المغرب والعشاء ليلة أول جمعة في رجب، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، وهاتان الصلاتان بدعتان ومنكران قبيحان، ولا يُغتر بذكرهما في بعض الكتب، فإن كل ذلك باطل".

أما الحديث الذي يروجه البعض عن النبي ﷺ بأنه قال:
"من صلى ليلة النصف من شعبان مائة ركعة أرسل الله إليه مائة ملك، ثلاثون يبشرونه بالجنة، وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار، وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا، وعشرة يدفعون عنه مكائد الشيطان"
فهو حديث باطل، كما قال الإمام النووي رحمه الله.

ما ينبغي على المسلم فعله في هذه الليلة

تابع الشيخ محمد عبد الخالق قائلاً أن المغفرة في هذه الليلة تشمل جميع العباد إلا المشرك والمشاحن، استنادًا إلى قول النبي ﷺ:
"إن الله تعالى يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة، إلا لمشرك أو مشاحن".

لذلك، فإن العمل الأعظم في هذه الليلة هو التسامح وسلامة القلب وصدق الصلة بالله، حيث إن المشاحن هو من شحن قلبه بالغل والحقد والحسد للآخرين. وقد يكون المشاحن قاطعًا للرحم، أو ظالمًا في معاملاته، أو فظًا في كلامه.

التسامح من أعظم أسباب المغفرة، وهو عمل لا يقل في أهميته عن الصيام والقيام، إذ يزيل من القلب الضغينة والتوتر، ويجلب الراحة النفسية. وعلى المسلم أن يتذكر قول الله تعالى:
"وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (النور: 22).

التسامح: قوة أم ضعف؟

أكد الشيخ محمد عبد الخالق أن التسامح ليس ضعفًا أو قلة حيلة، بل هو قوة إرادة وانتصار على النفس. فالتسامح هو التماس العذر للمخطئ، وهو لغة السعادة وطوق النجاة من المشاكل والعداوات. كما أنه صفة العظماء الذين يملكون مشاعرهم ويتحكمون في غضبهم في المواقف الصعبة.

تجديد الإيمان والتوحيد في شعبان

ختامًا، شدد الشيخ محمد عبد الخالق على ضرورة تجديد الإيمان وتوحيد الله، والابتعاد عن الشرك الأكبر والأصغر، لأن شعبان هو شهر عرض الأعمال على الله، ويجب أن يكون العبد حريصًا على تصفية قلبه واستقبال شهر رمضان بروح نقية خالية من الأحقاد.

ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟