الأحد 06 أكتوبر 2024
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

معركة المزرعة الصينية..التخطيط الاستراتيجي الرائد لطنطاوي في حرب أكتوبر

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

معركة المزرعة الصينية..التخطيط الاستراتيجي الرائد لطنطاوي في حرب أكتوبر..منذ أكثر من نصف قرن وتحديدًا يوم  15 أكتوبر1973 نشبت معركةبين القوات المصرية والإسرائيلية داخل محطة زراعية تجريبية على الضفة الشرقية لقناة السويس، مساحتها حوالي 15 ميلاً مربعاً، أنشأتها الحكومة المصرية في الخمسينات لدراسة الري في سيناء،توقفت عن العمل قبل عام 1967، ثم استولت عليها القوات الإسرائيلية خلال الحرب، وظنوا أن الأحرف اليابانية على المعدات صينية، فسُميت "المزرعة الصينية" في الخرائط العسكرية.

 

بداية قصة معركة المزرعة الصينية


بدأت القصة عندما استخدم المصريون عنصر المفاجأة بشكل فعال للاستيلاء على الضفة الشرقية لقناة السويس في الأيام الأولى من الحرب، كانت هذه العملية، المعروفة باسم "عملية بدر"، منسقة مع سوريا، مما أدى إلى فتح جبهتين للقتال ضد إسرائيل.

كان الهدف الأساسي للمصريين هو استعادة الأراضي المفقودة منذ حرب 1967، لذا تم التركيز على تأمين الضفة الشرقية للقناة من خلال إنشاء شبكة دفاعية متطورة تضمنت صواريخ ماليوتكا المضادة للدبابات وسام 6 المضادة للطائرات، مما صعّب الاقتراب من الخطوط المصرية.

كانت ردود الفعل الإسرائيلية على الهجوم المصري بطيئة، في 8 أكتوبر 1973، أصدر الجنرال شموئيل جونين، قائد الجبهة الجنوبية، أوامر بشن هجمات ضد الدفاعات المصرية، إلا أن القوات المصرية كانت مستعدة، مما جعل دبابات الاحتلال هدفًا سهلاً للصواريخ المصرية، وتعرضت القوات الإسرائيلية لخسائر كبيرة، نتيجة لفشل الهجمات، أمر جونين بوقف العمليات، وهو ما أعطى المصريين الفرصة لتعزيز موقفهم وتعطيل القوات الإسرائيلية.

استمر جونين في عدم القدرة على كسر الخطوط المصرية، مما دفعه للاجتماع في محادثات غير مثمرة دون وضع خطة جديدة، في 10 أكتوبر، تم استبداله بالجنرال حاييم بارليف، الذي استدعي من منصبه كوزير للصناعة والتجارة بناءً على طلب جولدا مائير، التي كانت تدرك إحباط جونين وترغب في تعزيز الروح المعنوية للقوات.

ولكن هل ستبقى إسرائيل صامتة أمام استرداد مصر الضفة الشرقية لقناة السويس، أم أن هذا سيثير ردود فعل قوية منها لمحاولة استعادة السيطرة؟

 

خطط إسرائيل في معركة المزرعة الصينية

 

بعد الفشل الساحق الذي حل بإسرائيل  في كسر الخطوط المصرية  خططت القيادة الإسرائيلية لاختراق القوات المصرية عبر المنطقة الواقعة بين الجيش الثاني والجيش الثالثج الميدانيين على الضفة الشرقية لقناة السويس، لفتح مساحة كافية لفتح مساحة كافية لتجميع جسور عائمة لعبور القناة، تحركت الفرقة 143 المدرعة الإسرائيلية بقيادة الجنرال أرئيل شارون بعد ذلك لقطع خطوط إمدادات الجيش الثالث المصري.


ما هي التكتيكات التي استخدمتها إسرائيل لتحقيق أهدافها المزعومة على القوات المصرية؟

بحلول 11 أكتوبر، وضع بارليف وقادته الميدانيون، أرئيل شارون وإبراهيم آدان، خطة لاختراق خطوط القوات المصرية، عُرفت باسم عملية "أبراي ليف".

استندت الخطة إلى اكتشاف طائرة الاستطلاع الأمريكية SR-71، ووجود فجوة بين الجيشين الثاني والثالث على الضفة الشرقية لقناة السويس قرب الدفرسوار، نتيجة خطأ في التخطيط، أُمرت الوحدة المصرية المدافعة عن تلك المنطقة بالتحرك شمالاً، دون تعيين وحدة بديلة.

المرحلة الأولى من الخطة: شنت قوات آدان هجومًا على الجناح الجنوبي للجيش المصري الثاني والجناح الشمالي للجيش الثالث، بهدف تشتيت انتباه القوات المصرية عن قوات شارون.
المرحلة الثانية من الخطة: استهدفت قوات شارون اختراق خطوط الدفاع المصرية وتدمير أي قوات في منطقة الدفرسوار، وتأمين موقع لبناء جسر عائم على جانبي القناة باستخدام القوارب المطاطية. ثم قام المهندسون العسكريون، تحت حماية قوات شارون، بتجميع "الجسر الدوار" عبر قناة السويس.

المرحلة الثالثة من الخطة: عبرت قوات شارون القناة، بينما انسحبت قوات آدان إلى منطقة الممرات للدفاع عنها.

في 14 أكتوبر، شن المصريون هجومًا منسقًا على الخط الإسرائيلي بالكامل على الضفة الشرقية بأوامر مباشرة من الرئيس أنور السادات، بهدف تخفيف الضغط عن الجبهة السورية في مرتفعات الجولان على الرغم من معارضة قيادة الأركان العامة، حيث اعتُبر الهجوم انتحاريًا بسبب تعزيزات الدفاعات الإسرائيلية.

كانت المعركة أكبر معركة دبابات منذ الحرب العالمية الثانية، حيث قُدّر عدد القوات المصرية بين 400 إلى 1000 دبابة و5,000 جندي مشاة ميكانيكي، في مواجهة 800 دبابة إسرائيلية مدعومة بقوات مشاة.

ولكن هل ستنجح إسرائيل في مخططها أم سينقلب السحر على الساحر؟

بدأت قوات شارون الهجوم، لكن واجهت مشكلة عندما توجه لواء آمون رشيف شمالًا نحو نطاق الجيش الثاني المصري. دخلت سبع كتائب من هذا اللواء في قلب الفرقتين 16 مشاة و21 مدرعة. كانت المزرعة الصينية نقطة استراتيجية حيوية على طريق أبو طرطور، الذي يُعتبر الطريق الوحيد الواسع والقوي اللازم لتحمل الجسر الدوار الكبير لعبور القناة، كان هذا الجسر أيضًا النموذج الوحيد المتاح على الجبهة الجنوبية، لذا فإن تدميره يعني فشل العملية. لذلك، كان من الضروري السيطرة على المزرعة لتحقيق النجاح.

دفع آدان بلواءين مدرعين تحت قيادة الكولونيل ناتكي برعام والكولونيل جافريل عامير نحو منطقة أبو طرطور بهدف فتح الطريق. خلال تقدمهم، واجهوا نيرانًا كثيفة من المواقع المصرية المحصنة، أدرك آدان أن وحداته المدرعة في خطر التدمير الكامل إذا استمروا في التقدم، لذا طلب دعم المشاة لتطهير المنطقة من مجموعات آر بي جي. أوكلت المهمة إلى لواء المشاة المحمول جواً بقيادة الكولونيل عوزي يائيري، رغم أنهم كانوا على بعد 80 كم غربًا، مما سيستغرق وصولهم حوالي ساعتين ويؤخر العملية، تكبد اللوائين خسائر كبيرة من صواريخ سام 6 وآر بي جي، مما دفعهم للانسحاب من منطقة المزرعة.

فهل ستتمكن مصر من إدراك خطة العدو وتفكيك استراتيجياته، أم ستظل المفاجآت تلاحقها في ساحة المعركة؟ وكيف استطاع المصريون تنفيذ خدعة أدت إلى تدمير دبابات إسرائيل، وجعلوا من هذه العملية قصة لم تُروَ كل فصولها حتى الآن؟

 

الخدعة القاتلة في معركة المزرعة الصينية

 

قبل وصول قوات يائيري إلى مقر قيادة الجنرال آدان، كان قد تم إرسال 2200 جندي كدعم. وبسبب اكتمال القمر، استبعدت إمكانية هجوم ليلي بالدبابات أو ناقلات الجنود. كما تم استبعاد استخدام المظليين لتفادي أن يصبحوا أهدافًا سهلة للنيران المصرية. في محاولة لإنقاذ الموقف، غادرت الكتيبة 890 المحمولة جواً طريق أبو طرطور في منتصف الليل بعد تلقي معلومات مضللة حول حجم وتسليح القوات المصرية، حيث قيل لهم إنهم سيواجهون أفراداً متفرقين من صيادي الدبابات.

لكن جنود المشاة الإسرائيليين واجهوا المدفعية الثقيلة المصرية دون أي ساتر. خلال ساعة، اتضحت ضخامة المهمة وصعوبة تطهير الطريق قبل الفجر. في حالة من اليأس، أرسل آدان ناقلات الجنود المدرعة للبحث عن ثغرة للوصول إلى المزرعة، في الثالثة إلا الربع صباحًا، تعرضت الكتيبة 890، بقيادة إسحاق موردخاى، لوابل من المدفعية والأسلحة الصغيرة خلال هجومها على المزرعة، مما أسفر عن مقتل مئات الجنود. نيران المدفعية الإسرائيلية لم تكن فعالة، وجرت محاولات غير ناجحة لتحريك الموقف المصري.

في ليلة 15-16 أكتوبر، تكبدت قوات شارون أكثر من 300 قتيل وخسرت 70 دبابة من أصل 250، بينما فقد المصريون حوالي 150 دبابة، مع تصاعد القتال، تحولت المعركة إلى مواجهة دامية في الظلام، حيث كانت المسافة بين الدبابات لا تتجاوز كيلومترًا. تذكر كابتن رامي مارتن موقفًا حيث ظن جندي مصري أنه إسرائيلي وطلب سيجارة، مما أظهر الفوضى السائدة.

كانت الدبابات الإسرائيلية معاقة بسبب الظلام، واضطر الجنود لاستخدام أسلحة خفيفة، بينما استمر المصريون في إطلاق النار من ثلاث جهات، مما زاد من حدة المعركة، لاحظت مجموعات الاستكشاف الإسرائيلية أن الطريق مفتوح، مما دفع آدان إلى اتخاذ قرار جريء بإرسال ناقلات الجنود المدرعة للعودة إلى الطريق المكشوف، مستخدمًا جرافات لإزالة العربات المحطمة تحت حماية كتيبة من الدبابات.

غادرت القافلة العسكرية في الساعة الرابعة صباحًا، في الوقت الذي كانت فيه معركة المظليين تشغل اهتمام المصريين، بحلول الساعة السادسة والنصف صباح يوم 17 أكتوبر، وصلت القافلة إلى القناة وبدأ بناء الجسر على الفور. بعد تحقيق الهدف الأساسي، وجه آدان اهتمامه لفتح الطرق المؤدية إلى المعبرفي صباح يوم 17 أكتوبر، تراجع اللواء 14 المدرع المصري، مما سمح للدبابات الإسرائيلية بالهجوم على القوة المصرية الرئيسية، على الرغم من استمرار النيران، تمكن اللواء الإسرائيلي من دعم قوات المظليين المحاصرة، ورغم الخسائر، التي شملت 80 جريحًا و40 قتيلًا من المظليين، واصل الإسرائيليون الضغط.

تم صد أول محاولة إسرائيلية لمهاجمة المزرعة الصينية، مما أسفر عن خسائر كبيرة، ومع ذلك، تمت محاولات أخرى، لكن القوات الإسرائيلية واجهت مقاومة شديدة من القوات المصرية، بعد يوم ونصف من القتال العنيف، تكبد المصريون 85 دبابة من الخسائر، وهو ما يعادل عدد الخسائر الإسرائيلية، مما أدى إلى انسحاب المصريين من المزرعة وتمكن الإسرائيليون من إنشاء جسر عبر قناة السويس.

لاحقًا، قاد آدان فرقته وراء الجيش الثالث المصري ونجح في قطع خطوط الإمداد عن نحو عشرين ألف جندي مصري محاصرين في شبه جزيرة سيناء.

ولكن هل ستمر هذه المعركة الضارية هباءً أم ستكون صندوقًا أسود في حياة الإسرائيلين وخاصة المشاركين منهم في الحرب؟

 

الصندوق الأسود في معركة المزرعة الصينية

 

يقول يوريك فارتا، أحد الجنود الناجين من المعركة: "أشعر أنني وزملائي كنا مجرد طعام للدبابات."

ومن جهته، أضاف شوكي فاينشتين: "كانت صواريخ آر بي جي الروسية مفاجأة مروعة لسلاح المدرعات الإسرائيلي، ولم نتدرب على مواجهتها من قبل، كما أننا لم نتدرب على إنقاذ الجرحى في ميدان مكشوف تحت أمطار من الصواريخ المصرية."

أما الجنرال موشيه عفرى فقال: "فوجئنا بشجاعة وإصرار الجنود المصريين، لقد تربى جيلنا على قصص عن الجندي المصري الذي يفر أمام الدبابة،لكن ما حدث في المزرعة الصينية كان عكس ذلك تمامًا. شهدنا حقيقة مريرة؛ إذ لم يشعروا بالخوف بل التفوا حول دباباتنا، موجهين صواريخ آر بي جي بكل إصرار، لا أجد تفسيرًا لهذا سوى أنهم كانوا مسكونين بروح النصر، وفي مثل هذه الحالة، لم يكن للدبابة أي فرصة."

كما وصف موشيه دايان في مذكراته لقائه مع الكولونيل عوزي يائيرى، قائد قوة المظلات الإسرائيلية التي شاركت في المعركة، قائلاً: "كنت أعرف عوزي جيدًا منذ أن كان مديرًا لمكتب رئيس الأركان في عهد الجنرال حاييم بارليف. وعندمارأيته بعد المعركة، لم أتوقع أن أراه بهذا الاكتئاب. كان وجهه يعبر عن حزن لا يمكن وصفه."
دور طنطاوي في تحقيق الإنتصار على العدو

كان المشير محمد حسين طنطاوي، قائد الكتيبة 16 من الفرقة 16 مشاة، برتبة مقدم، حيث لعب دورًا كبيرًا في تحقيق الانتصار على العدو الصهيوني، سواء من الناحية التكتيكية أو النفسية بين الجنود.

قرر المشير طنطاوي وقف إطلاق النار لإغراء قوات العدو بالتقدم في المنطقة بين الجيش الثاني والجيش الثالث الميدانيين على الضفة الشرقية لقناة السويس.

وبالفعل، تقدمت القوات الإسرائيلية إلى نقطة أصبحت فيها في مرمى نيران القوات المصرية، حيث تمكن طنطاوي من محاصرتها بشكل أدى إلى فقدان إيريل شارون 60 دبابة.

تم نسخ الرابط