ads
الأربعاء 15 يناير 2025
-
رئيس التحرير
محمد الطوخي

فرق كبير بين عالم أو داعية يُسخِر جهوده ووقته للدعوة إلى الإسلام وقيمه وسماحته وإبراز عدله وفضله، وبين داعية يقضي عمره للدعوة إلى مذهبه أو جماعته أو طريقه.

بنظري أن الإسلام هو المَعين الأوفى الذي تُسخر له جهودك، وهو رسالتك الكبرى التي تحتاجها أمتك، أما إن كنت صوفيًا طرقيًا أو سلفيًا أو إخوانيًا، فإنه أمر يخصك وحدك، وإن حاول أحدهم أن يجرك إلى معركة تدافع فيها عن طريقك، فليس الوقت ولا الحال يأذنان بذلك.

وعندي أن من يفعل هذا جهول بأولويات الدعوة ومتطلبات المرحلة.

انظر مثلًا لدعاة أعرفهم و أزهريين معممين، يشعلون المنابر والمنتديات ومن قبلها صفحاتهم الفيسبوكية، ومن خلفهم تلامذة عميان مقلدون متشنجون، من أجل الدفاع عن التصوف وتبرئة الصوفية، وغيرهم لا يكفون عن منازلة خصومهم انتصارًا للسلفية والدفاع عن المذهبية، وكلا الفريقين يبتعد تمامًا تمامًا عن المعركة الحقيقية.

يعض بعضهم بعضًا، ويأكل بعضهم بعضًا، وينهش بعضهم لحوم بعض، بأسهم بينهم شديدًا، فيشغلون الدنيا ويلهون الناس ويصرفونهم عن الحق، في الوقت الذي يتركون الساحة والميدان للملاحدة والعلمانيين، يعبثون بعقول الأمة، ويعيثون فيها فسادًا، لأن أصحاب العمائم منشغلون بعراك أنفسهم.

سحقًا سحقًا لهذه العقول التائهة الزائغة، لقد رأينا كثيرًا من العلماء الكبار، وكنا نعلم عنهم خلفياتهم وانتماءاتهم، لكننا نشهد أنهم لم يكونوا بالصغار والخواء الذي يمكن أن ينجروا به إلى معارك هامشية، تبتعد عن حاجة الإسلام ولا تفيده في شيء، وهي أولًا وأخيرًا لا تزكي إلا نيران البغض والكراهية بين الصف الديني.

كان الشيخ الشعراوي -رحمه الله- صوفيًا وإن يحلوا لبعض السلفيين أن يسميه قبوريًا أو أشعريًا، فهل رأيناه يومًا يغرق نفسه في الحديث عن الأشعرية والدفاع عن الصوفية؟

إن نظر الرجل كان صوب الإسلام وقيمه التي تجمع الناس ولا تفرقهم.. وأين هو -رحمه الله- من أئمة سوء ونكران، نشهد منهم اليوم من يثير معركة ضد خصوم تياره ومذهبه، فيسب علماءهم ويهين طريقهم، وينكل بأتباعهم، مع أنهم جميعًا على الحق وينتسبون للإسلام، والاختلاف فقط في الطريقة والأسلوب.

ولعل هذا الشرود نتيجة الجهل بفقة الدعوة والأولويات والموازنات، والحكمة التي إن غابت عن العقول، فلن تخلف إلا أصواتا تفرق الكلمة وتشق الصفوف، وتشتت الجموع لتعلوا كلمة الملحدين، ويعز سلطان العلمانيين. 
أما نحن ففي الفتن قابعين، ينهش كل منا أخاه.

تم نسخ الرابط