قرن من المقاومة المصرية لتهجير الفلسطينيين
منذ أن صدر وعد أرثر جيمس بلفور وزير خارجية المملكة المتحدة في نوفمبر 1917م ، والذي قضى بتعهد بريطانيا بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، والعدوان الإمبريالي على فلسطين ،والشرق الأوسط لم يتوقف، ومابين وعد بلفور 1917 م، ووعد ترامب 2025 م، قرن من العقلية، والذهنية، والصلف الغربي الأنجلو أمريكي لدعم الكيان الصهيوني/ الإسرائيلي على حساب المصالح العربية، وتحديدا حقوق الشعب الفلسطيني ، وإن كان التاريخ كله معروف في هذا السياق ،فإن المؤامرة في ثوبها الجديد يمكن أن نجليها في مجموعه من الوقائع التالية:-
أولا : فشل كافة المحاولات التاريخية الهادفة إلى التهجير القسري للفلسطينيين خارج قطاع غزه، والتي كان منها مايلي:
- فكرة الأديب الإنجليزي يسرائيل زانغوف في عام ١٩٠١م، والتي نشرها في مجلة (نيوليبرال ريفيو) عن إمكانية ترحيل عرب فلسطين خارج الإطار الجغرافي لفلسطين، وتعويضهم باليهود من شتات العالم.
- لجنة بيل للتحقيق في أحداث ثورة 1936 م عندما طرح في ٨ يوليو 1937 م أول مقترح لتقسيم فلسطين إلى أن صدر قرار الأمم المتحده رقم 181 في 29 نوفمبر 1947 م والذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين إحداهما عربية ، والأخرى يهودية.
- في١٠مارس ١٩٤٨م أعلنت إسرائيل عن الخطة( د)،( دالت ) حيث تم اقتلاع نحو ٨٠٠،٠٠٠ فلسطيني وفلسطينيه ، وتدمير نحو ٥٣١ قرية، و ١٧ مدينه وترحيل كل هذه الأعداد خارج فلسطين ،،،
ثانيا:- منذ الإعلان عن قيام دولة إسرائيل عام ١٩٤٨م وإنشاء وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، لم تتوقف دعوات ومشروعات، ومخططات التهجير القسري للفلسطينيين خارج قطاع غزه، وبدأت سيناء، تظهر في العقليه الإمبرياليه كوطن بديل على النحو التالي:-
- في العام ١٩٥٣م ظهر في التفكير الإستراتيجي الإسرائيلي ما يعرف ب :( خطة سيناء) ، و(مشروع الجزيره) ، و(مشروع جونسون) لحمل الفلسطينيين على البحث عن وطن بديل خارج أراضيهم .
- ظهر في العام ١٩٦٧م مشروع ايجال ألون الإسرائيلي أحد أهم المفكرين العسكريين في إسرائيل بعد أن درس الديموغرافية في المنطقه ، وقدم خطه متكامله للاجلاء القسري.
- في العام ١٩٧٠م قدم ارئيل شارون ،مشروعا بأسمه لتفريغ قطاع غزه من سكانه، لكن التخوف من ردود الأفعال المصرية ، لاسيما وأن حرب الاستنزاف على أشدها ، قد حال بينه ، وبين مخططاته.
- في العام 2000 م قدمت الحكومه الإسرائيلية للنقاش المجتمعي مشروع (غيورا أيلاند)، وحاولت الخارجية الإسرائيلية التباحث مع مصر ، لكن رفض مصر كان قاطعا لأية محاولة في هذا السياق..
- في الفتره ما بين ( ٢٠١٧- ٢٠٢٠م) وأثناء فترة حكم رونالد ترامب الأولى ظهر ما يسمى ب (صفقة القرن) لإحلال السلام الإبراهيمي، واتفاقيات ابراهام ، وغيرها من مخططات الإسناد السياسي ، والتهيئة المجتمعية العربية لإمكانية قبول أعداد من الفلسطينيين خارج قطاع غزة ، والضفه الغربية لكن جميعها أيضا قد تم مواجهته من النخبه، والقيادة السياسيه في مصر ،والدول العربية بالرفض ،أيا ما كانت الإغراءات المقابلة عندما تم تسريب مقولات عن تسديد ديون مصر الخارجية مثلما حدث في أعقاب حرب الخليج الثانيه 1992 م.
ثالثا:- في كتابه المهم : (غطرسة القوه- ثمن الإمبراطورية) أوضح:( ج وليام فولبرايت) عقلية وذهنية الحكام في أميركا أمثال رونالد ترامب عندما يتغطرسون إزاء قرارات ليست من صميم عملهم ، وأنها تخص مستقبل أخرين نجليها فيما يلي :
- أن أميركا قد فقدت الرؤيه بشأن ما يدخل في نطاق قدراتها ، وما يخرج عنها....!!!
- أن خلط القوه الأمريكية بالفضيله لتدعي لنفسها حمل رساله هو نوع من الهوس بجنون العظمه ، أمر باهظ التكاليف ، ويأخذ من رصيد الأمه ، بل ويتهدد مستقبلها.
- هناك مؤشرات على غطرسة القوه الذي يتصرف به الأمريكيون حينما يذهبون إلى دول أخرى حيث تكون أميركا كثيرة الصخب،وكثيرة المطالب ،وتجوب المكان باختيال وكأنها تملكه، وتتقاضى أكثر مما ينبغي .
- الشعوب المغزوه تتحمل جزء من مسؤولية غطرسة القوه التي تفرضها عليهم أميركا ، عندما تتجول ببلدانها وتجد الشركات الأميركية تهيمن على قطاعات كبيره من اقتصادياتها، والبضائع الأمريكيه تغطي واجهات المحلات ، والمطاعم والبراندات الأمريكيه هي السائدة.
- إن الإهتمام المبالغ فيه بمنطق الغطرسه يمثل استنزاف للقوه متدحرج من التاريخ باتجاه المستقبل، ولا يعد بأي حال من الأحوال قوة مضافة لها.
- لقد بزغت الولايات المتحدة الأمريكية كقوه عالميه في القرن العشرين ليس بسبب أدائها في مغامرات خارجيه ،وإنما بسبب من العكوف والانعزال عن التدخل في شؤون الأخرين ، وبريطانيا ، والعثمانيين، انهارت تمدداتهما الخارجيه فانهارت امبراطورياتهما معا في وقت متزامن ، لكن الرؤساء الأمريكيين لا يتعلمون الدرس التاريخي ، بل يتوهمون أنهم يصنعونه.
رابعا :- حرب طوفان الأقصى / السيوف الحديديه منذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م وحتى إعلان وقف إطلاق النار وتبادل تسليم الرهائن والأسرى في يناير ٢٠٢٥م أحداث كبرى تشبه ما يحدث دائما في أعقاب الحروب المؤثره في التاريخ بالنظر إلى النتائج التي إنتهت إليها، حيث كان العنوان الأبرز هو أن حركة حماس والفصائل الفلسطينية خطر داهم ودائم على مستقبل إسرائيل، ولابد من حل جذري يتجاوز العوده للهدوء ما يعطي فرصا جديده لدورة انتقام أخرى من الإحتلال بالنظر إلى القناعات الأمريكيه التاليه:-
- من الصعوبة بمكان القضاء المبرم على حركات المقاومة في الضفة والقطاع، وأنه على مدى قرن من الزمان منذ وعد بلفور ١٩١٧م وحتى وعد ترامب ٢٠٢٥م لم تتوقف دورات الكفاح، والنضال المسلح ضد المحتل الإسرائيلي، وأن الفلكلور المرتبط بمفتاح العوده وشعراء الأمه الذين اعلنوها( لا تصالح) هي صيحات الضمير العربي الرافض لتصفية القضيه، كلها معلومات لدى صانع القرار الأمريكي تذهب باتجاه التهجير والتصفيه للقضيه...!!!
- الإعتقاد الخاطئ بأن الظروف الاقتصاديه الإقليمية الضاغطة، وبخاصة مصر يمكن أن تشكل سانحه تاريخيه لقبول مصر بمبدأ ترامب عن السلام المسموم ، ولأن للتاريخ أحكامه ، وحكمته، وقوانينه الاستثنائية ، فإن جموع الشعب المصري على كافة الصعد قد التف حول الرئيس عبد الفتاح السيسي في تجديد ثقه جديد خارج الأطر الرسميه عندما قال( لا....) لا للتهجير القسري للفلسطينيين خارج قطاع غزه، وأن هذا ظلم للقضيه مصر لا يمكن أن تعين ظالما على ظلمه فتناسى الناس المتاعب الاقتصاديه وألتفوا حول القياده السياسيه تأييدا للرفض ، ما أربك الرئيس الأمريكي ترامب ،ليعلن من جديد تحديه للموقف المصري الأردني والعربي وأنه ماض في مخططاته للمنطقه.
- استعداد أميركا الواضح للتضحية بالحلفاء التاريخيين والاستعاضه عنهم بالشركاء الاستراتيجيين، بعد اختلال موازين القوى الإقليمي نتيجة لما يلي:
١- سقوط نظام بشار الأسد وصعود حركات الإسلام السياسي إلى سدة الحكم ،وتفكيك الجيش وتقسيم سوريا عمليا ، وذهابها بعيدا عن التأثير في القرار العربي ،حيث أن معالجة تتاقضاتها الداخليه يحتاج إلى عقود من الزمن.
٢- سقوط ما كان يعرف بمحور المقاومه، والهلال الشيعي ،وغياب حزب الله عن المعادله الإقليمية، وتصفية قيادات مؤثره في هذا المحور ، وشل حركة إيران، وروسيا عن تقديم أي دعم ممكن ، جعل من أميركا اللاعب شبه الوحيد في الإقليم يمكنه أن يقر مخططات عاش لعقود طويله يلح في طلبها.
٣- الشركاء الإستراتيجيين للولايات المتحده الأمريكية بحسب التنظير الأمريكي المبالغ فيه وغير الدقيق يمكن أن يعوضوا غياب مصر والأردن حال دخول المفاوضات إلى نفق مظلم بشأن صفقة القرن المزعومه ، فجاء لأمريكا الرد عن طريق الشركاء أنفسهم حيث أعلن عن إجتماع طارئ لوزراء خارجية السعودية والإمارات والأردن وفلسطين في القاهره مطلع فبراير ٢٠٢٥م لدراسة التحديات التي تشكلها تصريحات رونالد ترامب بشأن اعتزامه تصفية القضيه المركزيه الأولى للعرب وتهجير شعب فلسطين خارج وطنه.
خامسا:- إجتماع خلية إدارة الأزمه لوزراء خارجية كلا من مصر، والإمارات، والسعودية، وقطر ، والأردن إلى جانب فلسطين في القاهره الأول من فبراير ٢٠٢٥م ، وهي القوى الفاعله في النظام السياسي العربي يهدف إلى مايلي:-
- دعم موقف مصر ، والأردن، وفلسطين الرافض لتهجير الفلسطينيين خارج أراضيهم ،وتصفية القضية، وعدم إستعداد مصر والأردن المشاركه في توفير وطن بديل لهم.
- أن إعلان السعوديه عن ٦٠٠ مليار دولار لتكون هي المحطه الأولى لزيارة رونالد ترامب الخارجية مهدده بالارجاء لعدم توافر الظروف الموضوعية لها حال إصرار ترامب على مشروع يرفضه الشعب السعودي والعربي.
- الإمارات بدورها قدمت ما قدمت من السلام الإبراهيمي والاتفاقيات الهادفه للتعاطي مع التوجهات الأمريكيه بهدف التوصل لحل عادل للقضيه الفلسطينية ، لا أن تكون كل هذه المساعي مقدمة وسببا لحرمان الشعب الفلسطيني من أرضه ، ومن ثم ترفض الإمارات صفقة القرن برؤيتها الأمريكيه الإسرائيلية المنفردة.
- قطر قامت بجهود دبلوماسية جبارة مع مصر للتوصل إلى إنهاء الحرب في غزه ، وأن القيادة المركزية الوسطى في قاعدتي السيليه وخور العديد يجب أن تكون جسرا للسلام والعداله الأمريكيه لا أن تكون معولا من معاول هدم القضيه الفلسطينيه من أركانها، وبالتالي لا تتعاطى دولة قطر مع توجهات بهذا العنف والإرهاب الدولي.
هذا فضلا عن موقف مصر الرئيسي ممثلا في خطابات الرئيس عبد الفتاح السيسي المتكرره ،ورفضه ذلك منذ اندلاع حرب طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣م إلى إنهاء الحرب في غزه وبعدها، والتفاف الشعب المصري حول قيادته السياسيه وصدور عدة بيانات عن الأزهر الشريف، وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية، والهيئات والعديده بالدوله، بل وخروج أعداد غفيره عند معبر رفح برمزيته للإعلان عن رفض كافة المخططات الأمريكية الإسرائيلية الهادفه إلى تصفية القضية الفلسطينية..!!