رغم تشبث أهل غزة بالأمل في التوصل القريب إلى هدنة اتساقا مع حجم الجهود المصرية القطرية، واتفاق الفصائل الفلسطينية على لجنة إدارة غزة ما بعد الحرب، ودعوة ترامب لإنهاء الحرب قبل قدومه للبيت الأبيض، ورغم مطالبات عائلات المحتجزين الإسرائيليين، لنتنياهو بسرعة إجراء صفقة تضمن الإفراج عن ذويهم، تعقيبا على نشر جيش الاحتلال تحقيقه بشأن مقتل ستة محتجزين في قطاع غزة، إن التحقيق يثبت مرة أخرى أن عودة المحتجزين كافة لن تتم سوى بصفقة، ورغم كل هذا لا يزال نتنياهو يعثر من خطوات التوصل لاتفاق.
المفاوضات التي تجري هذا الاسبوع في الدوحة بمشاركة الوسطاء ما زالت جارية، إلا أنه ومع عودة وفد التفاوض الذي يضم جهات من الموساد والشاباك والجيش، إلى تل أبيب أمس الثلاثاء، لإجراء مشاورات داخلية حول استمرار المفاوضات، جرى الحديث بأنه لا تزال هناك صعوبات وتسير ببطء شديد واحتمالات التوصل لصفقة قبل تنصيب ترامب ضئيلة، ويبدو الأمر جليا أن الأزمة في نتنياهو الذي رفض كثير من التفاصيل ومستمر في ممارسة قتل ممنهج وتطهير عرقي واسع النطاق في القطاع.
بالمقابل تشتد المواجهة الحوثية مع كل من أمريكا وإسرائيل وبريطانيا، إذ باتت تل أبيب ليلتها الماضية والتي قبلها في الملاجئ، إذ شن الحوثيون هجوما واسعا، وهو ما جعل تل أبيب تعلن أن سلاح الجو والاستخبارات وقسم العمليات في إسرائيل يحضرون لتوسيع بنك الأهداف في اليمن، وأن المرحلة المقبلة قد تشهد استهداف قادة جماعة الحوثي، بل وزادوا على ذلك بإعلان وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر أنه طلب من رئيسة مجلس الأمن عقد جلسة طارئة لإدانة هجمات الحوثيين.. معتبرا أن الأعمال العدائية للحوثيين تعد انتهاكا خطيرا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن وتهدد السلم والأمن الدوليين، ويهددون حرية الملاحة والتجارة ويشكلون تهديدا للمنطقة والعالم بأسره.
الحوثي انتهج خلال الأيام الأخيرة نهجا عسكريا مختلفا، إذ يبدو أنه ومن ورائه إيران يتفهمون أنهم الذراع الباقي من "محور المقاومة" الذي جري النيل منه بقوة في غالب الجبهات، ولذا أعلن الحوثيون استهداف مدينة تل أبيب بصاروخ فرط صوتي من نوع فلسطين والوصول لهدفه بدقة، وأن اطلاق الصاروخ يأتي ردا على جرائم الاحتلال على قطاع غزة وأنها مستمرة في تأدية واجبها تجاه الشعب الفلسطيني حتى وقف العدوان على غزة ورفع الحصار.
الحوثي لا زال يناور بمصيره الذي في الغالب سيلحق ببقية رفاقه في مشهد المقاومة، لكنه استطاع نظم مواجهة مختلفة ومخيفة جعلت اسرائيل تستغيث بمجلس الأمن من فرط قوة المواجهة، خاصة بعد معركة إسقاط المقاتلة الأمريكية اف 18 التي قيل أنها سقطت بنيران صديقة في البحر الأحمر كما أعلنت قيادة البحرية الأمريكية، إذ شن الحوثيون هجوماً معاكسا بالصواريخ في نفس توقيت هجوم الطائرات الأمريكية والبريطانية أو الإسرائيلية على اليمن، لكن حدث هذه المرة، وهو ما جعل إسرائيل تحتاط لتوقيت هجومها القادم، وتعلق وسائل إعلامها بأنهم أمام مشكلة عدم توفر المعلومات الاستخبارية عن الأسلحة والصواريخ اليمنية، خاصة وأن طياريها يواجهون صعوبات بسبب أن المسافة طويلة جداً، والرحلة بدت لهم بلا عودة وهم يرون صاروخا باليستيا يمنيا يسير في الاتجاه المعاكس في الفضاء نحو إسرائيل، وهو الصاروخ الذي وصل إلى منطقة تل أبيب ولم تنجح أنظمة الدفاع الجوي المتعددة في إسقاطه، في توقيت الهجوم الأمريكي البريطاني شن الحوثيون هجوما بـ8 صواريخ كروز و17 طائرة بدون طيار على حاملة الطائرات الأمريكية هاري ترومان، حيث بدا الأمر للأمريكيين كأنهم يحملون صعبا وغريبا، فهم يهاجمون أهدافا في صنعاء وصنعاء تهاجم المدمرة العملاقة من مواقع مجهولة، وبحسب المتحدث باسم الجيش اليمني، تراجعت معظم الطائرات المهاجمة من الأجواء اليمنية إلى المياه الدولية في البحر الأحمر في محاولة للدفاع عن هاري ترومان، ويبدو أنه هنا حدث الارتباك، طراد الصواريخ الموجهة USS Gettysburg (CG 64)، وهو جزء من مجموعة USS Harry S. Truman Carrier Strike Group، أطلق النار عن طريق الخطأ وأصاب الطائرة F/A-18، التي كانت تحلق قبالة حاملة الطائرات هاري ترومان، وقفز طياراها وأصيب أحدهما بجروح بسيطة، والبحرية الأمريكية التي تحقق في أسباب السقوط، وتؤكد أن الطائرة لم تشارك في الهجوم على اليمن، لكن هذا لا يعني أنها لم تكن في الأجواء في حالة دفاع عن حاملة الطائرات هاري ترومان.
نعم تبدو الأزمتين مرتبطتين كل منها بالأخرى، لكن يبدو أن استمرار الضغط الحوثي من المنطقي أن يؤدي للتعجيل بوقف الحرب، لكن ولأن أزمة غزو تخطت حدود المنطق فإن نتنياهو بدلا من الذهاب للحلول المنطقية لازال يحارب الطبيعة ويتجهز لهجمات جديدة على الحوثي لكن الطبيعة الوعرة اعتقد أنها ستمثل عائقا كبيرا أمامه خاصة وأنه لجأ خلال الأسابيع القليلة الماضية لتوجيه ضربات لأهداف مدنية كمحطات الكهرباء وغيرها وهو بدلا من التأثير على القدرات العسكرية للحوثي زادت حياة المدنيين اليمنيين معاناة وبؤساً.