رحم الله الدكتورة نشوة الأخت العزيزة والمبدعة الموهوبة التي سخرت قلمها للقيم النبيلة..
حينما كتبت تقريظا عن كتابها [في محراب صحابي] أخبرتني بأنني عبرت عن قصدها وغايتها من كتابها بدقة.
اللهم ارحمها واجعل سيرتها وحرفها شفيعا لها يوم القيامة.
حبيبة الصحابة.. وآخر من كتب عنهم في القرن الحادي والعشرين، اللهم بحبها لهم احشرها معهم.
وإلى كل أديب وأديبة.. لقد قدمت نشوة بقلمها ما تفخر به أمام ربها، فماذا قدمت أقلامكم من زاد أمام الله تفخرون به؟
نشوة أحمد علي.. ونيشان الأصالة
في الوقت الذي يتسابق فيه الكتاب على أعتاب الأدب، وهم هائمون في ظلال خيالاتهم، يعصرون قرائحهم لتفرز أسمى ما تعج به مشاعرهم، وقد يرفع أحدهم رأسه فخرا وتيها بما أنجز من رواية وما أنتج من قصص.. في هذا الوقت
تخرج علينا هذه الكاتبة الأديبة بلون آخر من الكتابة، التي خالفت به المألوف من هوى الكتاب والكاتبات لهذا الجيل الذي كاد ينسلخ من أصوله فيما نرى من سطوره ومكتوباته هذه الايام.
لم يكن ما كتبته الدكتورة (نشوة أحمد علي) تحت عنوان (في محراب صحابي) كتابًا دينيًا يعكس روحا متدينة في قلب صاحبته، أو حبًا لسيرة السلف الصالح وتقليبا في ذكراهم، وإنما كان الكتاب في رأيي صحوة زلزلت بها الكاتبة أفئدة الكتاب من هذا الجيل، ووخزت بمنجزها ضمائرهم وأذهانهم، صارخة فيهم أن تشبثوا بأصولكم، واعتزوا بهويتكم، وعظموا زعماءكم، واقتفوا أثر هداتكم. علموا أقلامكم أن تنصر ملتكم، دربوها لتنافح عن تراثكم.
نعم.. فلا أخفيكم أن فرحتي العارمة بهذا الكتاب لا تدانيها فرحة، ورغم أن ميدان الكتابة عن الصحابة فسيح ومتكرر، إلا أن شوق الكاتبة للحديث عن عظماء الأمة غلبها، لتدلي في الميدان بحظها ونصيبها من ذلك الهوى وهذا الحب.
وهكذا الكاتب الأصيل والقلم النبيل، الذي يخدم دينه، ويدعم رسالته، ويزكي رموزه وقادته، ولقد تمثلت الدكتورة نشوة بفهمها ووعيها وغايتها، بكاتبة مشوشة الفهم، ضالة العقل، كانت تناقشني يوما حول بعض الشبهات التي تسئ لبعض الصحابة، وتشوش على بطولتهم وتتنكر لإنسنيتهم،
مقتنعة بها متحمسة في طرحها، وتحاول جاهدة أن تثبت مذمتهم، وكنت أقف أمام ما تقول مدهوشا، محاولا أن أقف على مصدر مزاعمها، فإذا بي أجد كل شبهاتها مأخوذة من نصراني جاحد، يسئ إلى ملتنا ورجالنا، معتمدا على الروايات المكذوبة والأخبار الموضوعة في كتب ألفها متهمون بالتدليس.
وهكذا الجهل أو هكذا الجحود، الذي يقف في جهته المقابلة، ذلك العقل الوضاء، المستنير بالهداية، المعتز بالدين والهوية، الموقر لأعلام الهداية في هذا الدين.. عقل نشوى أحمد علي.
والذي يقلب الكتاب، يلمح بدقة تعب الكاتبة وعناءها في جمع مادته، والتركيز على الخصائص المهمة في حياة كل شخصية، لتعطي للقارئ فكرة عامة ودقيقة عن ملامحها وطبيعتها في أسلوب مشوق جذاب، بعيدا عن التعقيد ووسطا بين الإيجاز والاطناب، ليكون من أجدر وأنفع الكتب الحديثة التي تناولت سيرة الصحابة الكرام وترجمة حياتهم وكفاحهم.
مما دفعني أن أقول في غير مبالغة: إنه لو كان لي من الأمر شيئا، أو كنت مسؤولا عن التعليم في بلادنا، لما تأخرت عن تقرير هذا الكتاب في مدارسنا، لتطل الناشئة بأوطاننا على ساحة المجد ودنيا البطولة وعلائم الإنسانية السامية.
نعم فمثل هذا الكتاب في رشاقته وخفته وسرعة هضمه وجميل تعبيره وحسن بيانه وأسلوبه، ما يؤهله أن يكون مقررا على طلبة المدارس.
ولا أجامل حينما أقول مثل هذا الكلام.. فما أقدمت عليه الكاتبة عمل يستحق التكريم والاجلال.
أكثر من ٤٠ صاحبيا، تعيش معهم في أروقة هذا الكتاب الذاخر، المفعمة حروفه بتعبير صادق وقلب محب وهوى عاشق لخير من عرفت الدنيا من نماذج البشر.
أصحاب محمد
نعم أصحاب محمد.. هم أولئك الذين أرادت أن تجدد الكاتبة ذكرهم في دنيا القراءة، في زمن رمينا فيه بأصوات كريهة دنيئة، لم تتورع أن تذم الصحابة وتسئ إلى سيرتهم العطرة، وتشوه مجدهم الخالد، ونزيف علينا أنباءهم المشرفة.
بل جاء رسالة هداية لهذا القارئ الحائر الذي يبحث عن سيرة الابطال، فيتوجه ذات اليمين وذات الشمال، وهو غافل عن أجداده الذين جاءوا قصب السبق في دنيا البطولة.
العنوان عبقري.. لا توجد في الكتاب مراجع، وتلك طبيعة الكتاب الأدبي، والكتاب كله تشعر أنه عمل مبارك، وسفر محترم تستحق الكاتبة عليه نيشان الأصالة والاعتزاز بالهوية.